وغيره من الرخص واتباع الشريعة السمحة السهلة لعلمه بجهلكم وضعفكم (١)(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [٢٨] هو نصب على الحال ، أي وخلق ضعيف العقل والرأي لا يصبر عن (٢) النكاح واتباع الشهوات ولا على مشاق الطاعات إلا من أيده (٣) الله بنور اليقين ، فانه يبصر به لا بنفسه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩))
ثم قال تأكيدا لاتباع الشريعة ونهيا عن اتباع الهوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أي بما لم تبحه (٤) الشريعة كالظلم واليمين الكاذبة والسرقة والخيانة والقمار والربوا وغير ذلك (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) بالرفع ف «كان» تامة ، أي إلا أن تقع تجارة بينكم كالمضاربة أو الشركة أو البيع والشراء بالسفر والحضر ، وبالنصب (٥) ف «كان» ناقصة والاسم ضمير الأموال ، أي إلا أن تكون (٦) الأموال أموال تجارة بتقدير المضاف (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) صفة (تِجارَةً) ، أي تجارة صادرة عن تراض المتبايعين ، والتراضي الافتراق عن مجلس البيع بتمامه متراضيين عند الشافعي ورضا (٧) العاقدين بما تعاقدا عليه وقت الإيجاب والقبول عند أبي حنيفة رحمهالله ، وخص التجارة بالذكر لكونها أغلب أسباب المكاسب (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يقتل بعضكم بعضا من جنسكم من المؤمنين أو لا تهلكوها (٨) بأكل الأموال بالباطل واتباع هوي النفس والحرص على الدنيا أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض من الجهلة (٩)(إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) [٢٩] لنهيه عما يضركم من القتل الحرام (١٠) وأخذ المال بغير حق.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي ما حرم عليكم قبل (عُدْواناً) أي تجاوزا للحد وهو مصدر في موضع الحال ، أي مستحلا ما ليس بحلال في الشرع (وَظُلْماً) أي وجورا ، يعني لا خطأ ولا اقتصاصا (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) أي ندخله (١١) في الآخرة (ناراً) أي في نار جهنم ليحترق (١٢) كرة بعد كرة (وَكانَ ذلِكَ) أي عذابه (عَلَى اللهِ يَسِيراً) [٣٠] أي هينا (١٣) لا يعجز عنه.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١))
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) أي إن تمتنعوا عن عمل الكبائر التي نهيتم عنها ، وهي سبع (١٤) ، الشرك بالله وقتل المؤمن عمدا والزنا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وأكل الربوا وقذف المحصنة وعقوق الوالدين ، وزاد بعضهم شهادة الزور والسحر ، وقيل : «الكبيرة ما نزل فيه الحد» (١٥) ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «هي إلى سبعمائة أقرب إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار» (١٦) ، ف «إن» شرط ، وجوابه (نُكَفِّرْ) أي نمح (عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي ما دون الكبائر (وَنُدْخِلْكُمْ) بنون التكلم في (نُكَفِّرْ) ، و «ندخل» (مُدْخَلاً
__________________
(١) لعلمه بجهلكم وضعفكم ، ب م : ـ س.
(٢) عن ، ب : علي ، س م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٤٢.
(٣) أيده ، ب م : أيد ، س.
(٤) لم تبحه ، س : لم يبحه ، ب م.
(٥) «تجارة» : قرأ الكوفيون بنصب الراء ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٧٨.
(٦) يكون ، س : يكون ، ب م.
(٧) ورضا ، س : أو رضا ، ب م.
(٨) أو لا تهلكوها ، س م : أو لا يهلكوها ، ب.
(٩) من الجهلة ، ب م : عن الجهلة ، س.
(١٠) الحرام ، س م : ـ ب.
(١١) ندخله ، ب س : يدخله ، م.
(١٢) ليحترق ، ب : ليحرق ، س ، لتحرق ، م.
(١٣) هينا ، ب م : ـ س.
(١٤) أي إن تمتنعوا عن عمل الكبائر التي نهيتم عنها وهي سبع ، ب م : وهو سبع ، س.
(١٥) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٣٤٩.
(١٦) انظر البغوي ، ٢ / ٥٣ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٣.