عَلَى الْمُحْصَناتِ) أي الحرائر الأبكار (مِنَ الْعَذابِ) أي الحد لقوله (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ)(١) ، ولا رجم عليهن ، لأنه لا يتنصف ، فحد الأمة إذا زنت خمسون جلدة ، وفي التغريب قولان عند القائل به فان غربت (٢) فنصف سنة ، ولما ذكر في الآية حد الأمة دون حد العبد جعلوا العبد مقيسا على الأمة ، والجامع بينهما الرق ، واختلفوا في الرقيق الذي لم يتزوج إذا زنى ، أكثرهم أوجب الحد عليه ولم يجعل التزويج شرطا لوجوب الحد ، لأن الله تعالى لم يذكره في الآية لذلك (٣) ، بل للتنبيه على أن الرقيق وإن كان محصنا انتفى عنه الرجم إذا زنا ، وأقلهم لم يوجب الحد على الرقيق الغير المتزوج ، لأنه جعل التزويج شرطا للحد بالآية (ذلِكَ) أي نكاح الأمة (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) أي الزنا (مِنْكُمْ) والعنت في اللغة الضيق والشدة ، فعند الشافعي رحمهالله لا يجوز نكاح الأمة للحر إلا أن يكون عاجزا عن طول الحرة وأن يخاف الوقوع في الزنا ولا نكاح الأمة الكتابية احتجاجا بظاهر الآية حيث قيد المؤمنات فيها (٤) ، وعند أبي حنيفة رحمهالله الغنا والفقر سواء في جواز نكاح الأمة ، ويفسر الآية على تقدير أن النكاح معنى الوطئ بأن من لم يملك فراش الحرة فله أن يتزوج أمة ، ويحمل (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) على الفضيلة لا على كون الإيمان في الأمة شرطا ، فيجوز عنده نكاح الأمة اليهودية والنصرانية ، ولكن الأفضل أن لا تنكح (وَأَنْ تَصْبِرُوا) في محل الرفع مبتدأ ، أي صبركم عن نكاح الإماء ، والخبر (خَيْرٌ لَكُمْ) من تزوجهن لئلا يخلق الولد رقيقا ، روي عن النبي عليهالسلام : «الحرائر صلاح البيت ، والإماء هلاك البيت» (٥) ، وقيل : «معنى الآية صبركم على نكاح الأمة خير لكم من أن تقعوا في الفجور» (٦)(وَاللهُ غَفُورٌ) لما فعلتم قبل تحليله (رَحِيمٌ) [٢٥] حيث رخص في نكاح الأمة.
(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦))
قوله (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) إيماء إلى وجه التحليل والتحريم ، أي يريد الله بما شرع من التحليل والتحريم ليفهم لكم شرائع الإسلام (وَيَهْدِيَكُمْ) أي ويعلمكم (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي شرائعهم من الأنبياء والصالحين في التحليل والتحريم لتقتدوا بهم (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي يتجاوز عنكم بالتوبة وقبولها إن تبتم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بمن تاب (حَكِيمٌ) [٢٦] بقبول التوبة.
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧))
ثم قال (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) بالتكرير إظهارا لرحمته وكمال شفقته على عباده المؤمنين ، أي الله يريد أن يتجاوز عن ذنوبكم وخطاياكم بتوفيق التوبة لكم ، لأنه لو لا إرادته لكم التوبة لكنتم بمعزل عن التوبة ، فلذلك (٧) شرع لكم ما شرع من الحلال والحرام (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) وهم أهل الباطل والزنا من اليهود والنصارى والمجوس (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [٢٧] أي تعدلوا عن الحق إلى الباطل فتكونوا (٨) مثلهم في كفرهم وزناهم ، قيل : نزل حين قال المجوس إنكم تحلون بنت الخالة والعمة والخالة والعمة عليكم حرام ، فانكحوا بنات الأخ وبنات الأخت وكانوا يستحلون نكاحهم بالباطل (٩).
(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨))
(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) أي يهون عليكم أمركم ويرفع عنكم (١٠) أثقال العبودية باحلال نكاح الأمة
__________________
(١) النور (٢٤) ، ٨.
(٢) غربت ، م : عرب ، ب س.
(٣) لذلك ، ب س : كذلك ، م.
(٤) حيث قيد المؤمنات فيها ، ب م : ـ س.
(٥) انظر الكشاف ، ١ / ٢٤١. ذكره العجلوني في كشف الخفاء ، ١ / ٤٢٤. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٦) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٨.
(٧) فلذلك ، ب س : ولذلك ، م.
(٨) فتكونوا ، ب س : فيكونوا ، م.
(٩) اختصره من البغوي ، ٢ / ٤٩ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٢.
(١٠) ويرفع عنكم ، ب س : ـ م.