قصيرا (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) وهو المكان المطمئن من الأرض في الأصل ، فكني به عن قضاء الحاجة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) وقرئ لمستم (١) ، أي جامعتموهن ، وقيل : هو اللمس باليد (٢) ، فعند الشافعي رحمهالله ينتقض الوضوء بمس النساء ، وفي مس المحارم قولان ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا ينتقض ، يعني إذا أصابكم المرض أو السفر أو الحدث أو الجنابة (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) لبعد الأسباب أو العجز عن الوصول إليه ، وجواب الشرط متعلق بالمرضى والمسافرين والمحدثين وأهل الجنابة وهو قوله (فَتَيَمَّمُوا) أي فاقصدوا (صَعِيداً طَيِّباً) أي ترابا طاهرا ، قيل : الشافعي رحمهالله لا يتيمم إلا بتراب له غبار يتعلق بالوجه واليدين ، وأبو حنيفة رضي الله يتيمم بكل ما صعد على وجه الأرض كالزرنيخ فلو ضرب على صخرة لا تراب عليها فمسح وجهه ويديه أجزأه ، لأن الصعيد عنده وجه الأرض ترابا كان أو غيره (٣)(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) والباء فيه زائدة ، وفي الكلام حذف ، أي وأيديكم منه ، أي من الصعيد الطيب (٤) ، و «من» فيه للتبعيض لا لابتداء الغاية نحو قولهم فلان مسح برأسه من الدهن ، فانه لا يفهم منه إلا البعض ، و «من» لابتداء الغاية عند من جوز التيمم بالصخر الذي لا تراب عليه (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) بالترخيص (غَفُوراً) [٤٣] للتقصير.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤))
قوله (أَلَمْ تَرَ) أي ألم ينته علمك ونظرك (إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا) أي أعطوا (نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي حظا من علم التورية ، وهم أحبار (٥) اليهود (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) أي يستبدلون الكفر والبقاء على اليهودية بالهدى ، ففي الكلام حذف (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) [٤٤] أي سبيل الحق كما ضلوا عنه بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوتك.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥))
نزل نهيا عن الموالاة بهم واستيشارهم في الأمور (٦)(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) أيها المؤمنون منكم فاحذروهم ولا تستشيروهم في أموركم ولا تقبلوا نصيحتهم (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) أي محبا ، فثقوا بولايته (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [٤٥] أي معينا لكم ويكفيكم مكرهم ، والمنصوب فيهما تمييز.
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦))
قوله (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم من الذين مالوا عن سبيل الحق أو بيان ل (الَّذِينَ أُوتُوا) لاحتماله اليهود والنصارى ، ومحل (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) حال من الضمير في (هادُوا) أو صفة لموصوف محذوف ، تقديره : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ، أي يغيرونه (٧) عن مواضعه التي وضعه الله تعالى في التورية كتغييرهم (٨) صفة محمد عليهالسلام ، وتغييرهم (٩) الرجم وجعلهم الحد بدله ، وذكر الضمير في (مَواضِعِهِ) ، لأن الكلم اسم جمع وليس بجمع على الأصح (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي غير مقبول منك ، وهو نصب على الحال (وَراعِنا) أي يقولون هذه الكلمة لإظهار التوقير
__________________
(١) «أَوْ لامَسْتُمُ» : قرأ الأخوان وخلف بحذف الألف التي بين اللام والميم والباقون باثباتها. البدودر الزاهرة ، ٨٠.
(٢) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٣٥٧.
(٣) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٧٨ ـ ٧٩ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٨.
(٤) الصعيد الطيب ، ب س : صعيد طيب ، م.
(٥) أحبار ، س م : ـ ب.
(٦) لعل المصنف اختصره من الكشاف ، ١ / ٢٤٨.
(٧) أي يغيرونه ، س : غيرونه ، ب ، يغيرونها ، م.
(٨) كتغييرهم ، ب س : كتغيرهم ، م.
(٩) وتغييرهم ، ب س : وتغيرهم ، م.