والإحرام ، ومعناها ارقبنا نكلمك وهي يحتمل الشتيمة (١) والإهانة باللسان العبري أو السرياني ، لأنهم كانوا يتسابون (٢) بها أو كان غرضهم نسبة النبي عليهالسلام إلى الرعونة وهي الحماقة ، قوله (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) أي قلبا للكلام بها ، مفعول له أو مصدر في موضع الحال ، أي يقولون (٣) ذلك لاوين ألسنتهم استهزاء (وَطَعْناً فِي الدِّينِ) أي قدحا فيه (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا) أي ولو ثبت قولهم بدل (سَمِعْنا وَعَصَيْنا)(٤)(سَمِعْنا وَأَطَعْنا) وبدل (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ)(٥)(وَاسْمَعْ) كلامنا ، وبدل (وَراعِنا)(٦)(وَانْظُرْنا) أي انظر (٧) إلينا رحمة لنا (لَكانَ) ذلك القول (خَيْراً لَهُمْ) لتحقيق الإيمان (وَأَقْوَمَ) أي أسد وأصوب من الطعن والتحريف (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي ولكن الله خذلهم وأبعدهم عن الإيمان بكفر قلوبهم (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [٤٦] أي إلا إيمانا ضعيفا وهو إيمانهم بموسى وكفرهم بمحمد عليهماالسلام ، ويجوز أن يكون ضعف إيمانهم لكونه بمجرد ألسنتهم لا فائدة فيه مع عدم التوبة ، ويجوز أن يراد ب (قَلِيلاً) عبد الله بن سلام وأصحابه من مؤمني أهل الكتاب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧))
ثم أوعدهم بالعقوبة الشديدة لعدم إيمانهم بالإخلاص بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي أعطوه من التورية (آمِنُوا بِما نَزَّلْنا) أي بالقرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من الكتاب (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ) أي نمحو ونحول (وُجُوهاً) أي وجوه قوم ، فنجعلها كخف البعير بلا أنف ولا عين ولا حاجب كالأقفية قبل يوم القيامة ، وهذا معنى قوله (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) أو المراد من الطمس تسويد القلوب (٨) ورينها ، ومن الرد ردها عن بصر الهداية على أدبارها في الضلالة ، والفاء للتعقيب ، يعني من قبل أن يعاقبوا بعقابين ، أحدهما عقيب الآخر (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) أي نطردهم من الرحمة بالمسخ (كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أي كما مسخناهم القردة (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) أي عذابه (مَفْعُولاً) [٤٧] أي كائنا لا محالة ، وهذا وعيد شديد لهم ليعتبروا ويرجعوا عن كفرهم إلى الإيمان بالتوبة والاستغفار.
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))
قوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) مع عدم التوبة لعظم الشرك ، نزل حين أراد وحشي التوبة بعد قتله حمزة (٩) رضي الله عنه يوم أحد وندامته عند الرجوع إلى مكة (١٠)(وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) أي دون الشرك مع عدم التوبة (لِمَنْ يَشاءُ) أي لبعض عباده رحمة منه لهم ، ثم قال وحشي : لعلي أن أكون ممن لم يشاء الله ، فنزل (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ)(١١) الآية ، فلما سمعها ووجدها أوسع مما كان قبلها دخل هو وأصحابه في الإسلام (١٢) ، وفيها رد على من يقول من مات على كبيرة يخلد في النار (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى) أي اختلق على الله (إِثْماً عَظِيماً) [٤٨] أي كذبا كبيرا وهو الكفر ، قال عليهالسلام : «من مات ولم يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» (١٣) ، وقال : «ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم
__________________
(١) الشتيمة ، ب س : الشتمة ، م.
(٢) يتسابون ، ب س : يتساءلون ، م.
(٣) يقولون ، ب س : يقومون ، م.
(٤) النساء (٤) ، ٤٦.
(٥) النساء (٤) ، ٤٦.
(٦) البقرة (٢) ، ١٠٤.
(٧) انظر ، س : ـ ب م.
(٨) القلوب ، ب م : القلب ، س.
(٩) قتله حمزة ، ب م : قتل حمزة ، س.
(١٠) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٨٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥٩.
(١١) الزمر (٣٩) ، ٥٣.
(١٢) اختصره من السمرقندي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٥٩.
(١٣) أخرجه مسلم ، الإيمان ، ١٥٠ ، ١٥١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٨٦.