نزلت الآية في الزبير وحاطب بن أبي بلتعة حين اختصما إلى النبي عليهالسلام في مسيل الماء من الحرة ، فقال عليهالسلام : «يا زبير اسق به نخلك ثم أرسل الماء إلى جارك» ، فغضب حاطب (١) ، ثم قال الله تعالى توبيخا على نفورهم من حكمه عليهالسلام (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا) أي أوجبنا وفرضنا (عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) كما أوجبناه على بني إسرائيل حين طلبوا التوبة من ذنوبهم (ما فَعَلُوهُ) أي المكتوب عليهم (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) برفع (قَلِيلٌ) بدل من ضمير «فعلوا» (٢) ، وبنصبه (٣) استثناء ، والظرف صفة ل (قَلِيلٌ) ، والقليل جماعة الصحابة كعمر ويسار وعمار بن ياسر وثابت بن قيس ، وعبد الله بن مسعود ، فانهم قالوا : والله (٤) لو أمرنا محمد بذلك لفعلنا ، فقال عليهالسلام : «إن من أمتي رجالا ، الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي» (٥) ، ثم زاد توبيخهم بقوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) من الطاعة والرضا بحكم الرسول (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) في عاجلهم وآجلهم (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [٦٦] أي ولكان أقوى تحقيقا لإيمانهم وأبعد من الاضطراب فيه.
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧))
(وَإِذاً) جواب لسؤال (٦) مقدر ، كأنه قيل : ماذا يكون لهم بعد التثبيت ، فقيل : ولو ثبتوا إذن (٧)(لَآتَيْناهُمْ) أي أعطيناهم (مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) [٦٧] وهو الجنة في الآخرة.
(وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨))
(وَلَهَدَيْناهُمْ) أي وفقناهم لازدياد الخيرات في الدنيا (صِراطاً مُسْتَقِيماً) [٦٨] وهو الإسلام.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩))
قوله (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) نزل في جماعة من الصحابة ، قالوا : يا رسول الله! إن صرنا إلى الجنة تفضلنا بدرجات النبوة فلا نراك (٨) ، وقيل : نزل في شأن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان شديد الحب له عليهالسلام ، قليل الصبر عنه حتى أتاه يوما (٩) قد تغير لونه ونحل جسمه ، فقال له رسول الله : ما غير لونك؟ فقال : ما بي مرضي ولكني أخشى أن لا أراك يوم القيامة لعلو منزلتك (١٠) ، فقال تعالى ومن يطع أمر الله وأمر رسوله (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) أي المبالغين في الصدق (وَالشُّهَداءِ) كشهداء أحد وبدر وغيرهم ممن قتلوا في سبيل الله (وَالصَّالِحِينَ) من المؤمنين (١١) بالإخلاص ، أي لا يفوت المحبون مجالستهم في الجنة (وَحَسُنَ أُولئِكَ) أي الموصوفون بهذه الصفات (رَفِيقاً) [٦٩] أي رفقاء في الجنة ، نصبه تمييز أو حال ، وفيه معنى التعجب ، أي ما أحسن أولئك رفيقا ، وهو مفرد بمعنى الجمع كالطفل بمعنى الأطفال.
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً (٧٠))
ثم أشار إلى أنهم نالوا ذلك بفضل الله لا بغيره بقوله تعالى (ذلِكَ) أي المن والعطية ، مبتدأ ، خبره (الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) [٧٠] أي كفى الله عالما بثواب من أطاعه في الآخرة ، فانه يعطيهم ما علمه لهم من الثواب.
__________________
(١) اختصره من البغوي ، ٢ / ١٠٠ ـ ١٠١.
(٢) فعلوا ، ب م : فعلوه ، س.
(٣) «إلا قليل منهم» : قرأ الشامي بالنصب ، والباقون بالرفع. البدور الزاهرة ، ٨١.
(٤) والله ، ب م : ـ س.
(٥) انظر البغوي ، ٢ / ١٠٢. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٦) لسؤال ، س : سؤال ، ب م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٥٥.
(٧) نقله المفسر عن الكشاف ، ١ / ٢٥٥.
(٨) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٦٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ١٠٣ ـ ١٠٤ (عن قتادة) ؛ والواحدي ، ١٤٠.
(٩) أتاه يوما قد : س : ـ ب م ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٤٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ١٠٣.
(١٠) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٦٧ ؛ والواحدي ، ١٤٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ١٠٣.
(١١) المؤمنين ، م : المسلمين ، ب س.