(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي احترازكم بالسلاح لعدوكم أينما كنتم ، أمر لهم بالتيقظ لأعدائهم فاذا نفرتم إلى جهاد العدو (فَانْفِرُوا) أي اخرجوا (ثُباتٍ) نصب على الحال ، أي متفرقين ، جمع ثبة ، وهي الجماعة المتفرقة ، أي سرية بعد سرية (أَوِ انْفِرُوا) أي اخرجوا (جَمِيعاً) [٧١] أي مع النبي عليهالسلام بأجمعهم ، وهو أيضا حال بمعنى مجتمعين.
(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢))
قوله (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) خطاب لعسكر الرسول عليهالسلام ، واللام في «لمن» للابتداء ، وفي الفعل جواب قسم ، و «من» بمعنى الذي ، والقسم وجوابه صلة الذي ، والضمير الراجع إليه ما استكن في (لَيُبَطِّئَنَّ) ، من بطأ لازم بمعنى تأخر ، والمعنى : وإن منكم يا أصحاب محمد للذي أقسم بالله ليتأخرن عن الغزو وتثاقلا ، ويجوز أن يكون متعديا ، أي ليثقلن غيره عن الغزو ، من بطؤ عن الشيء ، أي ثقل ، وهو ابن أبي وأصحابه (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ) يا معشر المسلمين (مُصِيبَةٌ) أي بلية وهزيمة من العدو (قالَ) أي ذلك المنافق المتخلف عن الغزو بالفرح والشكر لله (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ) بالقعود والتخلف من القتال (إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) [٧٢] أي حاضرا في ذلك الغزو.
(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣))
(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ) أي فتح وغنيمة (مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ) متمنيا ، وقوله (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ) بالتاء والياء (١)(بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) أي معرفة ، اعتراض وقع حالا بين قوله (لَيَقُولَنَّ) ومفعوله للتهكم باثبات المودة لهم ، وهم أعدى عدو للمؤمنين وأشدهم حسدا لهم ، والمقول (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) في تلك الغزوة (فَأَفُوزَ) بالنصب جواب التمني (فَوْزاً عَظِيماً) [٧٣] أي آخذا (٢) حظا وافرا من الغنيمة ، والمنادى فيه محذوف ، أي يا قوم ليتني (٣) ، وقيل : ليس بمحذوف ، لأنه دخل على «ليت» لزيادة التمني لا للنداء (٤).
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤))
قوله (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أمر للمنافقين بالقتال لوجه الله ، أي ليقاتل في طاعة الله (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي يشترونها (بِالْآخِرَةِ) أي بدل الآخرة ، وفيه توبيخ لهم ، ويجوز أن يكون أمرا للمؤمنين ، ويكون المعنى : الذين يبيعون الحيوة الدنيا ويأخذون الآخرة بدلها (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته (فَيُقْتَلْ) أي يستشهد (أَوْ يَغْلِبْ) أي يظفر بعدوه (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) أي نعطيه (أَجْراً عَظِيماً) [٧٤] في الجنة ، يعني إذا غلب أو غلب يستوجب الثواب لا محالة.
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥))
ثم قال موبخا على ترك الغزو بالاستفهام وحاثا على فعله (وَما لَكُمْ) أي أي شيء حصل لكم من العلل (لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) محل الجملة نصب على الحال ، والعامل فيها الحصول في «لكم» ، ثم عطف على اسم
__________________
(١) «لم تكن» : قرأ المكي وحفص ورويس بالتاء الفوقية ، والباقون بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ٨١.
(٢) آخذا ، ب م : آخذ ، س ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ١٠٦.
(٣) يا قوم ليتني ، ب س : يا قوم يا ليتني ، م.
(٤) لعل المصنف أخذه عن البيضاوي ، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد ، أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، بيروت ، ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٨ م ، ١ / ٢٢٤.