كفرهم (١) ، فقال تعالى (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) إذا ماتوا على كفرهم (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) [١٣٧] أي طريقا إلى الحق ، يعني لا يقبل توبتهم إن تابوا قبل الموت اضطرارا وخوفا على أنفسهم أو أموالهم (٢) ، قالوا : إذا أسلم الكافر أول مرة وداوم على إسلامه يغفر كفره السابق ، فان أسلم ثم كفر ثم أسلم ثم كفر لا يغفر كفره السابق الذي غفر له لو دام (٣) على الإسلام ويطالب بجميع ما فعل في كفره الأول ، قوله (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) أي أخبرهم يا محمد ، وضع فيه «بشر» مكان أخبر تهكما بهم (بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.) [١٣٨]
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩))
ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ) أي اليهود والنصارى (أَوْلِياءَ) أي أصدقاء في العزة والنصرة (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ثم قال باستفهام الإنكار توبيخا (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) أي أيطلبون عنهم المعونة والظهور على محمد عليهالسلام (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [١٣٩] أي القوة والغلبة لأولياء الله كلهم لا للكافرين ، فنصب «جميعا» على الحال من الجار والمجرور بتقدير المضاف.
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠))
(وَقَدْ نَزَّلَ) مجهولا (٤) ، من التنزيل ، والواو للحال (٥)(عَلَيْكُمْ) أيها المنافقون (فِي الْكِتابِ) يعني في سورة الأنعام ، ومفعول المجهول (أَنْ) المخففة من الثقيلة مع ما بعده ، واسمه ضمير الشأن ، أي أنه (إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ) أي القرآن (يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) فكان (٦) اليهود يستهزؤن بالقرآن وهم يستمعون ذلك (فَلا تَقْعُدُوا) جواب «إذا» ، أي لا تجالسوا (مَعَهُمْ) أي مع الكافرين بالقرآن والمستهزئين به (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي حتى يشرعوا (٧) في كلام آخر (إِنَّكُمْ إِذاً) أي إذا قعدتم معهم وسمعتم استهزاءهم ورضيتم به (مِثْلُهُمْ) في الكفر ، لأن ترك إنكار الكفر مع القدرة عليه رضي به ، والرضا بالكفر كفر ، قال ابن عباس : «دخل في هذه الآية كل محدث في الدين ومبتدع إلى يوم القيامة» (٨) ، وفيه دليل أن من جلس في مجلس المعصية ولم يقدر الإنكار على أهله يجب أن يقوم عنهم حتى لا يكون معهم في الوزر (٩) سواء ، ثم هدد الخائضين والمستمعين بالنفاق بقوله (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) [١٤٠] إن ماتوا على كفرهم ونفاقهم ، وقدم المنافقين هنا لأنهم شر من الكفار.
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١))
ثم أخبر عن المنافقين بقوله (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) الدوائر ، وهي عبارة عن تغير الحال بالسوء عليكم ، قيل : محل الموصول جر صفة ل (الْمُنافِقِينَ) أو نصب بدل من (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ) أو على الذم أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف (١٠) ، أي هم الذين ينتظرون بكم المصائب أو العاقبة لكم أم لعدوكم (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ) أي ظفر (مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الجهاد على عدوكم ، فأعطوهن نصيبا من الغنيمة (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) أي
__________________
(١) أخذه المصنف عن البغوي ، ٢ / ١٧٣.
(٢) أو أموالهم ، ب م : وأموالهم ، س.
(٣) دام ، ب م : داوم ، س.
(٤) «نزل» : قرأ عاصم ويعقوب بفتح النون والزاي ، والباقون بضم النون وكسر الزاي. البدور الزاهرة ، ٨٦.
(٥) والواو للحال ، ب م : ـ س.
(٦) فكان ، ب م : وكان ، س.
(٧) أي حتى يشرعوا ، س : أي فيشرعوا ، م ، أي يشرعوا ، ب.
(٨) انظر البغوي ، ٢ / ١٧٥ ؛ وأنظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٩٨ (عن الضحاك).
(٩) في الوزر ، ب م : في وزر ، س.
(١٠) نقله المؤلف عن الكشاف ، ١ / ٢٧٩.