ظفر وغلبة على المؤمنين ، وسمي ظفر المؤمنين فتحا ، لأنهم يثابون به ونفتح له أبواب السماء للقبول ، وظفر الكافرين نصيبا ، لأنه حقير ، يزول ويعاقبون عليه ، وجزاء الشرط (قالُوا) أي المنافقون للكفار (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ) أي ألم نغلب (عَلَيْكُمْ) بالموالاة لكم ، من الاستحواذ وهو الاستيلاء على الشيء أو ألم نطلعكم (١) على سركم ونخبركم عن حالهم بالإرسال إليكم أخبارهم واستعددتم لهم بمرحمة منا لكم (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ألم ننحكم (٢) عنكم بأن خذلناهم عنكم فغلبتم عليهم ، فقال تعالى (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أيها المؤمنون والمنافقون (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [١٤١] أي حجة أو طريقا بالغلبة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وأما الغلبة للكفار في بعض الأوقات فهي لمظنة في الدنيا ، يصيبونها لا الاستئصال أو ليس لهم عليهم سبيل بالشرع ، وبهذا يحتج بعض العلماء على أن الكافر لا يملك العبد المسلم.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢))
ثم بين حال المنافقين في الدنيا فقال (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ) أي يعاملونه (٣) معاملة الخادقين باظهارهم الإيمان بألسنتهم وكتمانهم الكفر في صدورهم (وَهُوَ خادِعُهُمْ) أي والحال أن الله يجازيهم جزاء خداعهم أو يعطون نورا يوم القيامة كالمؤمنين ، فيمشون على الصراط مع المؤمنين ، فيمضي المؤمنون بنورهم ويطفأ نور المنافقين ، فيبقون في ظلمة لا غاية لها ، ثم قال (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) أي متثاقلين لا عن طيبة نفس ورغبة فيها (يُراؤُنَ النَّاسَ) بفعلهم الخير لا يريدون به (٤) وجه الله ، ومعنى المراءة أن يرى الناس عمله وهم يرونه استحسانه (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) [١٤٢] أي إلا ذكرا نادرا وهو ما يجاهرون له سمعة للناس أو لا يصلون إلا قليلا ، وهو ما يصلون عند الناس لا في الغيبة عن عيونهم أو المراد بالقلة العدم ، أي لا يذكرونه أصلا ، لأنهم يشتغلون بذكر الدنيا وحطامها ويستغرقون أوقاتهم بحديثها وبحديث الناس واللغو.
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣))
قوله (مُذَبْذَبِينَ) نصب على الحال من ضمير «يذكرون» ، أي مرددين يرددهم الشيطان (بَيْنَ ذلِكَ) أي بين الكفر والإيمان أو بين المؤمنين والكافرين (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) أي ليسوا مع المؤمنين في التصديق ولا مع الكافرين في ظاهر الكفر ، وهو أيضا حال بمعنى متلونين (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن الهدى (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [١٤٣] أي طريقا إلى الهدى ، لأنه خذله الله عنه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤))
ثم نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ظاهرا وباطنا فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالإخلاص (لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ثم أكد النهي بقوله (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) [١٤٤] أي حجة ظاهرة على النفاق لتعذيبكم في الآخرة ، لأن موالاة الكفار تشهد على النفاق ، فيكون حجة بينة على التعذيب.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥))
ثم بين مستقر المنافقين في الآخرة بقوله (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ) بفتح الراء والسكون (٥) ، أي في أخفض مكان (مِنَ النَّارِ) وهو قعر جهنم وسمي هاوية (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) [١٤٥] أي مانعا يمنعهم من العذاب ،
__________________
(١) أو ألم نطلعكم ، ب : أو لم نطلعكم ، م ، أو أو لم ، س.
(٢) ننحكم ، ب س : ننحيكم ، م.
(٣) يعاملونه ، ب م : يعاملون ، س.
(٤) لا يريدون به ، س م : لا يريدون بها ، ب.
(٥) «الدرك» : قرأ الكوفيون باسكان الراء ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٨٦.