وكانوا اثني عشر سبطا ، فأمرنا أنبياءهم بالوحي لأن يثبتوا على التوحيد ويدعوا الناس إليه (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) أي أوحينا إليهم (١) كذلك (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [١٦٣] بضم الزاء جمع زبر مصدر بمعنى مزبور ، أي أعطيناه صحفا مزبورة ، أي مكتوبة ، وبفتح الزاء (٢) اسم لكتاب داود عليهالسلام ، كان فيه التوحيد والتمجيد والتحميد والثناء على الله تعالى ، وكان لداود حسن الصوت ، فيخرج إلى البرية فيقوم العلماء خلفه ويجتمع الإنس والجن والدواب والطيور لحسن صوته ، فلما أذنب الذنب المعروف لم ير ذلك فحزن ، فقال الله له ذلك حلاوة الطاعة وهذا وحشة المعصية.
(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤))
(وَرُسُلاً) نصب بفعل يفسره ما بعده أو تقديره : وأوحينا أو أرسلنا أنبياء (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي سميناهم لك بمكة (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) بأسمائهم فكما أرسلناهم إلى الناس لدعوتهم إلى التوحيد أرسلناك لدعوة المشركين إلى الإيمان به ورفع الشرك ، روي عن كعب الأحبار أنه قال : «كان الأنبياء ألفي ألف ومائتي ألف» (٣) ، وروي عن أبي ذر أنه قال : قلت يا رسول الله! كم كانت الأنبياء وكم كان المرسلون؟ قال : كانت الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي ، وكان المرسلون ثلثمائة وثلثة عشر مرسلا ، ولما لم يذكر موسى فيهم قالت اليهود للنبي عليهالسلام أكلم الله موسى أم لا فنزل (٤)(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [١٦٤] نصب مصدر مؤكد ، وإنما خص موسى بالتكليم مع أن الله تعالى كلم غيره لأنه كلمه وأوحي إليه من غير واسطة ، وقيل : كلمه بكلام لم يبلغه إلى قومه ولا أمره بتبليغه (٥).
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥))
قوله (رُسُلاً) نصب على التكرير أو نصب على المدح (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) حالان ، أي أرسلنا رسلا مبشرين بالجنة ومنذرين بالنار ، ثم علل الإرسال بقوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) يوم القيامة (بَعْدَ) إرسال (الرُّسُلِ) إليهم فيقولوا (٦) ما أرسلت إلينا رسولا فكيف تعذبنا ، قيل : لو لم يرسل الله إليهم رسولا كان ذلك عدلا منه لموهبته العقل الذي به يعرف التوحيد لهم ، ولكنه أرسل الرسول فضلا منه ليكون تنبيها على النظر مع تبليغ ما حملوه من التكليف الديني وتعليم الشرائع وإزاحة للعلة وزيادة في الحجة عليهم (٧)(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) بالنقمة لمن كفر به (حَكِيماً) [١٦٥] يرسل الرسل لحكمة منه.
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦))
قوله (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) نزل حين قال مشركو مكة : إنا سألنا عنك اليهود فلم يعرفوك ، فقال عليهالسلام لليهود : والله إنكم عالمون أني على الحق ، فقالوا : ما نعلم ذلك (٨) ، فقال تعالى : لا يشهد اليهود لكن الله يشهد بأنك نبي وبما أنزل إليك من القرآن بأن جعله معجزا على مرور الأزمان ، يشهد أنك على الحق فانه أعظم شهادة من خلقه ، وفيه اختصار لاقتضاء «لكن» الاستدراك عن نفي شيء قبلها لإيجاب ذلك الشيء بعدها ، وقوله (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) تفسير للمنزل ، ومحل (بِعِلْمِهِ) حال ، أي أنزله ملابسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره ، وهو ما فيه من نظم (٩) وأسلوب من البلاغة ، يعجز عنه كل بليغ ، وهو المراد بكونه شاهدا عليه
__________________
(١) أي أوحينا إليهم ، س : أي أوجيناهم ، ب م.
(٢) «زبورا» : قرأ حمزة وخلف بضم الزاي ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٨٨.
(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٠٥.
(٤) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٠٥.
(٥) ولم اجد له أصلا في المصادر التي راجعنها.
(٦) فيقولوا ، ب م : فيقولون ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٠٥.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٨) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٠٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٥٧ ـ ١٥٨ (عن الكلبي).
(٩) نظم ، ب م : النظم ، س.