أو أنزله بما يعلم (١) من مصالح العباد (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أي إنهم يشهدون أيضا على صدقك كالذي شهدت عليه ، لأن شهادتهم تبع بشهادتي (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [١٦٦] وإن لم يشهد أحد من خلقه ، إذ لا أحد أفضل شهادة من الله لك ولغيرك باظهار المعجزات الدالة على صحة شهادتي على يدي من أشاء من عبادي.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧))
ثم قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقرآن وبمحمد عليهالسلام (وَصَدُّوا) أي صرفوا الناس (٢)(عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن طريق الهدى بكتم نعت محمد عليهالسلام (قَدْ ضَلُّوا) عن الحق (ضَلالاً بَعِيداً) [١٦٧] لا يدرك غوره.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله (وَظَلَمُوا) بكتم نعت محمد عليهالسلام أنفسهم وجحدهم نبوته (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ما داموا على كفرهم وظلمهم بذلك (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ) أي ولا يرشدهم (طَرِيقاً) [١٦٨] من الطرق.
(إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩))
(إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) وهو دين الكفر أو العمل الذي يجرهم إلى جهنم أو طريقا يوم القيامة ينتهي بهم إليها ، قيل : «يرفع لأهل الإيمان في الموقف طريق يأخذ بهم إلى الجنة ، ويرفع لأهل الكفر طريق ينتهي بهم إلى النار» (٣)(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي لا يخرجون عنها معذبين بها (وَكانَ ذلِكَ) أي خلودهم فيها وعذابهم في النار (عَلَى اللهِ يَسِيراً) [١٦٩] أي هينا عليه لا يعجز عنه ، قيل : هذا لمن سبق علمه فيهم أنهم لا يؤمنون (٤).
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))
قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب لأهل مكة تحريضا على الإيمان وترك الشرك (قَدْ جاءَكُمُ) أي ظهر فيكم (الرَّسُولُ) وهو محمد عليهالسلام (بِالْحَقِّ) أي ملابسا بالصدق أو بالشرع أو بكلمة «لا إله إلا الله» وهو التدحيد (مِنْ رَبِّكُمْ) الذي خلقكم وصوركم (فَآمِنُوا) أي صدقوا به بما جاء من التوحيد ونفي الشرك (خَيْراً لَكُمْ) نصبه (٥) مفعول به ، أي اقصدوا خيرا لكم مما أنتم فيه أو صفة مصدر محذوف ، أي إيمانا خيرا أو خبر «كان» المحذوفة ، أي يكن الإيمان خيرا لكم ، ثم قال تهديدا لهم باظهار غناه عنهم وعن إيمانهم (وَإِنْ تَكْفُرُوا) بمحمد وما جاء به من الحق (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي كله له عبيد وإماء وهو (٦) غني عنكم (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بخلقه من يؤمن ومن يكفر (حَكِيماً) [١٧٠] بأمره في الثواب والعقاب.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١))
ثم خاطب النصارى بقوله (يا أَهْلَ الْكِتابِ) أي أهل الإنجيل (٧)(لا تَغْلُوا) أي لا تتجاوزوا الحد (فِي دِينِكُمْ) بأن تشركوا الله عيسى الذي هو عبده في الألوهية (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) نصب على أنه مقول (تَقُولُوا) بمعنى تذكروا أو تعتقدوا ، أي لا تذكروا (٨) على الله إلا القول الحق ، وهو التنزيه عن الشريك والولد وغلوهم في عيسى هو أن بعضهم قال : ثالث ثلثة آلهة عيسى ومريم والله ، وبعضهم قال : هو الله ، وبعضهم قال : إنه ولده ، وقالت اليهود : هو ولد زنا ، والله تعالى كذبهم كلهم بقوله (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) مبتدأ
__________________
(١) يعلم ، ب م : يعلمه ، س.
(٢) الناس ، ب م : ـ س.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٠٦.
(٤) نقله المصنف عن البغوي ، ٢ / ١٩٢.
(٥) نصبه ، ب م : نصب ، س.
(٦) وهو ، س : فهو ، ب م.
(٧) أي أهل الإنجيل ، س : أي الإنجيل ، ب م.
(٨) لا تذكروا ، ب س : لا يذكروا ، م.