هو خطاب لأهل مكة ، و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب لأهل المدينة حيث جاءا في القرآن (١) ، وهو مقرل قول مقدر ، أي قل يا كفار مكة (اعْبُدُوا) أي وحدوا أو أطيعوا (رَبَّكُمُ) أي سيدكم ومربيكم بترزيقكم (الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي اخترعكم ولم تكونوا شيئا (وَ) خلق (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأمم وفي الوصف به إيماء إلى سبب وجوب عبادته تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [٢١] أي لكي يحصل رجاء منكم أن تتقوا عصيانه فتنجوا بسبب التقوى من العقاب ، وخص المخاطبون بالذكر تغليبا لهم على الغائبين.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢))
ثم أشار إلى إحسانه إلى عباده ووجوب شكره عليهم بقوله (الَّذِي) أي هو الذي (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) أي بساطا يستقر عليه للاستراحة والعبادة عليها بعد خلقهم أحياء (٢) قادرين الموجب لأداء حق الشكر له (وَالسَّماءَ بِناءً) أي وجعلها عليكم سقفا مرتفعا كالقبة والظلة على هذا المستقر ، قيل : «السماء الدنيا ملتزقة أطرافها على الأرض» (٣)(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا ينحدر منها على السحاب ، ومنه على الأرض ولا يأخذه من البحر وهو رد لزعم من زعم أنه يأخذه من البحر (٤)(فَأَخْرَجَ بِهِ) أي أنبت بالمطر ، والباء للسببية (مِنَ الثَّمَراتِ) أي من أنواعها وألوان النبات ، و «من» للبيان (رِزْقاً) أي طعاما وعلفا (لَكُمُ) ولدوابكم ، وهو مفعول «أخرج» ، المعنى : أن الله تعالى أنعم عليكم بذلك كله لتعرفوه بالخالقية والرازقية فتوحدوه (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أي أمثالا تعبدونهم كعبادة الله تعالى ، يعني لا تقولوا له شركاء تعبد معه ، والند : المثل المخالف ، أي في الأفعال والأحكام ، وهو نهي من اعتقادهم أن لهم آلهة مثله قادرة على مخالفته ، والفاء عطفت «لا (تَجْعَلُوا») على (اعْبُدُوا) ، أي يأمركم بالعبادة ، فلا تشركوا به شيئا (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [٢٢] العقل والتمييز ، أنه واحد ، لا شريك له في خلق هذه الأشياء الشاهدة بالوحدانية ، وإن آلهتكم لا تقدر على نحو ما هو قادر عليه ، فحقه أن تعرفوا أنعامه عليكم بها ، وتعتبروا بالنظر الصحيح الموصل إلى التوحيد ، فتقابلوها بالشكر لا بالشرك.
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣))
ثم عطف ما يدل على ثبوت المعجزة الدالة على نبوة محمد عليهالسلام على ما دل على ثبوت التوحيد فقال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شك (مِمَّا نَزَّلْنا) أي من الذي نزلناه من القرآن على سبيل التدريج (عَلى عَبْدِنا) أي محمد على السّلام بأنه ليس من الله (فَأْتُوا) أي جيؤوا (بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أي من مثل القرآن ، يعني على صفته في البيان الغريب وحسن النظم وعلوه أو من مثل محمد عليهالسلام ، يعني من بشر يشبهه عربيا أميا لم يقرأ الكتاب ولم يتعلم من أحد ، وليس القصد به إلى مثل ونظير له في الوجود (٥) ، وإنما هو تمثيل. (٦)
والسورة : قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر ، أقلها ثلاث آيات ، من أسأرت في الإناء إذا زدت فيه شيئا من ماء أو طعام أو السورة : المنزلة الرفيعة لارتفاع قارئها في الدنيا والآخرة ، مأخوذ (٧) من سور المدينة لارتفاعه على البناء.
قيل : إذا (٨) قرأ الرجل عن ظهر القلب طائفة من كتاب الله لها فاتحة وخاتمة كسورة يعظم عنده ما (٩) حفظه ،
__________________
(١) نقل المؤلف هذا الرأي عن السمرقندي ، ١ / ١٠١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٥١.
(٢) أحياء ، م : ـ ب س.
(٣) قاله ابن عباس رضي الله عنهما في رواية الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٠٢.
(٤) أخذه عن الكشاف ، ١ / ٤٤.
(٥) ونظير له في الوجود ، ب م : ونظير له هناك في الوجود ، س.
(٦) وإنما هو تمثيل ، ب م : ـ س.
(٧) مأخوذ ، ب م : مأخوذة ، س.
(٨) قيل إذا ، س م : قيل كان إذا ، ب.
(٩) ما ، ب س : مما ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٥٠.