الصلوة الكاملة (لَكَبِيرَةٌ) أي لشاقة عظيمة ، من كبر الشيء إذا عظم (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [٤٥] أي الخائفين المتواضعين ، والخشوع السكون من الخوف وأكثر استعماله في الجوارح.
(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦))
(الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي يستيقنون ويعلمون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي معاينوه بعد الموت يوم القيامة ، والظن : ترجيح أحد النقيضين واستعمل في اليقين والشك (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ) أي إلى ربهم (راجِعُونَ) [٤٦] أي صائرون بعد البعث للحساب والجزاء ، المعنى : أن الصلوة ثقيلة في نفسها ، لكنها لم تثقل على الخاشعين لتوقعهم ما ادخر الله لهم من الثواب يوم القيامة ، وثقلت على غيرهم ، لأنهم لا يتوقعون ثوابها.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧))
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا) أي اشكروا (نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) بانزال المن والسلوى وغيرهما (وَ) اذكروا (أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) أي ميزتكم بالتكرمة (عَلَى الْعالَمِينَ) [٤٧] أي على عالمي زمانكم ، يجعل الأنبياء فيكم وجعلكم ملوكا بعد إن كنتم مماليك في يد فرعون ، ويحصل تفضيل الأولاد بتفضيل الآباء.
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨))
(وَاتَّقُوا) أي اخشوا (يَوْماً) أي عذاب يوم (لا تَجْزِي) أي لا تؤدي فيه (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أي شيئا ما من الحقوق التي لزمت عليها وهو نزل حين كانت اليهود يقولون نحن من ولد إبراهيم خليل الرحمن ومن ولد إسحق ذبيح الله ردا عليهم ، يعني لا ينفع في ذلك اليوم نفس مؤمنة عن نفس كافرة نفعا ما (وَلا يُقْبَلُ) بالتاء والياء (١)(مِنْها) أي من النفس الأولى (شَفاعَةٌ) إن شفعت للنفس الثانية عند الله لتخليصها من عذابه (وَلا يُؤْخَذُ) أي لا يقبل (مِنْها) أي من المشفوع لها (عَدْلٌ) أي فداء من مال أو رجل مكانها أو توبة ، وأصل العدل المعادلة وهي المماثلة (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [٤٨] أي لا يمنعون من العذاب ، والضمير فيه يرجع إلى معنى الجمع المستفاد من تنكير النفس الواقعة في سياق النفي ، وهو النفوس الكثيرة.
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩))
قوله (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) عطف على اذكروا ، أي اذكروا وقت أنجيناكم بانجاء آبائكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي من أهل القبط ، وهو مختص بالأشراف ، وفرعون علم لمن ملك أولاد عمليق بن عاد (يَسُومُونَكُمْ) أي يطلبون لكم (سُوءَ الْعَذابِ) أي يعذبونكم أشده في محل النصب على الحال ، يعني سائمين السوء ، والسوم في الأصل الذهاب في ابتغاء الشيء ، والسوء قبح الشيء (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) بيان لقوله (يَسُومُونَكُمْ) ، ولذلك ترك العطف ، أي يقتلونهم (وَيَسْتَحْيُونَ) أي يتركون (نِساءَكُمْ) طلبا لحيوتهن للاستخدام والسبب الذي حمل فرعون على ذلك أنه رآى في منامه نارا تخرج من بيت المقدس تحرق جميع القبط ولم تضر باسرائلي ، وسأل الكهنة عن ذلك ، فقالوا له يولد في بني إسرائيل مولود ، هلاكك في يده ، فأمر بذبح كل ذكر يولد في بني إسرائيل ، فكثر الذبح فأمر بذبحهم سنة وتركهم سنة ، فولد هرون في سنة لا ذبح فيها وموسى في سنة فيها ذبح (وَفِي ذلِكُمْ) أي في السوم وما لحق به من الذبح والاستخدام ، وفي الإنجاء منه (بَلاءٌ) أي امتحان ، مصدر ، يستعمل بمعنى النعمة وبمعنى البلية (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [٤٩] يعني ذلك اختبار من سيدكم كبير علي النعمة بالشكر وعلى الشدة بالصبر.
__________________
(١) «ولا يقبل» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالتاء الفوقية علي التأنيث ، والباقون بالياء التحتية على التذكير. انظر البدور الزاهرة ، ٣٢.