(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠))
(وَ) اذكروا (إِذْ فَرَقْنا) إذ فصلنا يمينا وشمالا (بِكُمُ) أي بسببكم (الْبَحْرَ) وهو إساف ، بحر من بحار مصر أو بحر قلزم (فَأَنْجَيْناكُمْ) من الغرق (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) أي نفسه وجيوشه (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [٥٠] إليهم غرقى وموتى حين رماهم البحر إلى الساحل بعد خروجكم منه سالمين مع موسى ، روي : أن موسى خرج مع بني إسرائيل من مصر ثم خرج فرعون مع قومه من مصر في طلبهم ، فلما انتهوا إلى البحر ضرب موسى عصاه عليه ، فانفلق اثني عشر مسلكا ، فأرسل الله عليه ريحا فصار يابسا ، فدخله بنو إسرائيل فلم ير بعضهم بعضا ، فخافوا عند ذلك فصار في الماء كوى يرى بعضهم بعضا ، فلما جاوزوا البحر دخل فيه فرعون وقومه ، فغيشهم البحر فغرقوا فيه أجمعون (١) ، وفيه تهديد للكافرين ليؤمنوا ، وتنبيه للمؤمنين ليتعظوا وينتهوا عن المعاصي.
(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١))
(وَإِذْ واعَدْنا) بألف وبغير ألف (٢) بمعنى واحد ، ويجوز أن يكون المواعدة بين الله بالوحي وبين موسى بالوفاء (٣) ، أي اذكروا وقت وعدنا (مُوسى) أن ننزل عليه التورية بعد هلاك فرعون وقومه ودخول بني إسرائيل مصر ولم يكن لهم شريعة يعملون بها وضرب له ميقاتا (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) أي تمامها ، ونصب «ليلة» بالتمييز ، وذكرها لأن الليلة أول الشهر والأربعون ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة ، وجعل الميعاد بالطور ، فذهب موسى إلى المناجاة واستخلف عليهم هرون ، وعد بنو إسرائيل بعد مضي العشرين من الوعد اليوم مع الليلة يومين إلى تمام العشرين ، وقالوا قد تم أربعون ولم يرجع موسى إلينا ، فقد خالفنا ، وقال السامري : هاتوا الحلي التي استعرتم من نساء فرعون بعلة عرس حتى نحرق ، فلعل الله يرد علينا موسى ، فجمعوها وكان السامري صائغا ، فاتخذ منها عجلا وقد كان قبل ذلك رأى جبرائيل على فرس الحيوة كلما وضع حافره احضر فرفع من تحت سنبكه قبضة من التراب وألقى في العجل فصار جسدا له خوار ، أي صوت كصوت العجل ، قيل : فيه حيوة (٤) ، وقيل : «دخل الريح في جوفه من خلفه وخرج من فيه كهيئة الخوار» (٥) ، فقال للقوم : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ)(٦) ، أي أخطأ موسى الطريق هنا وذهب (٧) يطلبه فأقبلوا كلهم على عبادة العجل إلا هرون مع اثنى عشر ألفا (٨) ، فوبخهم الله تعالى بقوله (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) إلها (مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد ذهاب
__________________
(١) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ١١٧.
(٢) «واعَدْنا» : قرأ أبو جعفر وأبو عمرو ويعقوب بحذف الألف بعد الواو ، والباقون باثباته. انظر البدور الزاهرة ، ٣٢.
(٣) بين الله بالوحي وبين موسي بالوفاء ، ب س : من الله بالوحي ومن موسي بالوفاء ، م.
(٤) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ١١٩.
(٥) عن علي ، انظر السمرقندي ، ١ / ١١٩.
(٦) طه (٢٠) ، ٨٨.
(٧) هنا وذهب ، ب م : هنا هو ذهب ، س.
(٨) وقال فخر الدين الرازي في تفسيره : «فهذا ما في الرواية ولقائل أن يقول : الجمع العظيم من العقلاء لا يجوز أن يتفقوا على ما يعلم فساده ببديهة العقل ، وهذه الحكاية كذلك لوجوه : أحذها : أن كل عاقل يعلم ببديهة عقله أن الصنم المتخذ من الذهب الذي لا يتحرك ولا يحس ولا يعقل يستحيل أن يكون إله السموات والأرض ، وهب أنه ظهر منه خوار ولكن هذا القدر لا يصلح أن يكون شبهة في قلب أحد من العقلاء في كونه إلها ، وثانيها : أن القوم كانوا قد شاهدوا قبل ذلك من المعجزات القاهرة التي تكون قريبة من حد الإلجاء في الدلالة على الصانع وصدق موسى عليهالسلام ، فمع قوة هذه الدلالة وبلوغها إلى حد الضرورة ومع أن صدور الخوار من ذلك العجل المتخذ من الذهب يستحيل أن يقتضي شبهة في كون ذلك الجسم المصوت إلها. والجواب : هذه الواقعة لا يمكن تصحيحها إلا على وجه واحد ، وهو أن يقال إن السامري ألقى إلى القوم أن موسى عليهالسلام إنما قدر على ما أتى به لأنه كان يتخذ طلسمات على قوى فلكية وكان يقدر بواسطتها على هذه المعجزات ، فقال السامري للقوم : وأنا أتخذ لكم طلسما مثل طلسمه وروح عليهم ذلك بأن جعله بحيث خرج منه صوت عجيب فأطعمهم في أن يصيروا مثل موسى عليهالسلام في الاتيان بالخوارق أو لعل القوم كانوا مجسمة وحلولية فجوزوا حلول الإله في بعض الأجسام فلذلك وقعوا في تلك الشبهة. انظر مفاتيح الغيب ، ٣ / ٧٠ ـ ٧١.