الثَّمَراتِ) لأنه لم يكن ثمرة ثمه ، فاستجاب الله دعاءه فيحمل الثمار إليه من كل جهة فيوجد فيها في كل وقت من أنواع الثمار ، وقيل : نقلت الطائف من الشام وجعلت مكانها الآن بدعاء إبراهيم عليهالسلام (١) ، وقوله (مَنْ آمَنَ) بدل من أهله ، يعني وارزق المؤمنين (مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خاصة وإنما اشترط ذلك في دعائه خوفا من أن لا يستجاب له فيمن ظلم وكفر كما لم يستجب له في الظالمين حين سأل الإمامة لذريته أو لأنه بهم يقع العبادة وهداية الخلق فرد الله عليه و (قالَ وَمَنْ كَفَرَ) أي وارزق من كفر ، لأن أمر الرزق ليس كأمر الإمامة ، لأنه وعد بالرزق كافة الخلق ، ولأن الإمامة فضل يعطيه من يشاء والرزق عدل وهو لجميع الخلق وإن كان البعض مشركا ، ويجوز أن يكون «من» شرطية والجواب (فَأُمَتِّعُهُ) أي ومن يكفر بالله واليوم الآخر فأمد له ليلتذ بلذات الدنيا إثباتا للحجة عليه (قَلِيلاً) أي زمانا يسيرا ، يعني إلى منتهى أجله ووصف بالقلة ، لأن متاع الدنيا قليل لفنائه (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) أي ألجئه (إِلى عَذابِ النَّارِ) بحيث لا يمكنه الامتناع منه (٢)(وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [١٢٦] أي المرجع الذي يرجع إليه للإقامة في النار.
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧))
(وَإِذْ يَرْفَعُ) أي اذكر إذ يبني (إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) أي الأساس (مِنَ الْبَيْتِ) أي الكعبة وانما لم يقل قواعد البيت بالإضافة لما في التبيين بعد الإبهام تفخيم لشأن المبين (وَإِسْماعِيلُ) ولده ، عطف على (إِبْراهِيمُ) ، يعني كان يبني إبراهيم وإسمعيل يناوله الحجارة وهو حكاية حال ماضية ، فلما فرغا من البناء قالا (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) أي بناءنا (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لدعائنا (الْعَلِيمُ) [١٢٧] ببنائنا (٣) ، روي : أن أول من بني الكعبة آدم ثم إبراهيم (٤) ، وقيل : أن موضع البيت خلق قبل الأرض بألفي عام ، ثم بسطت الأرض من تحته ، ولما اهبط آدم إلى الأرض اهبط إليه البيت المعمور ليأنس به ويطوف حوله وأرسل إليه ملكا فأراه المناسك وبقي إلى أيام الطوفان ، فرفع إلى السماء الرابعة والكعبة بحياله على قدره ومثاله فبقي موضع البيت المعمور خاليا بعد رفعه (٥).
(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨))
فبنى إبراهيم وإسمعيل الكعبة في موضعه قائلين (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ) أي مخلصين (لَكَ وَمِنْ) لابتداء غاية الجعل ، أي واجعل من (ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً) أي جماعة (مُسْلِمَةً لَكَ) أي مخلصة في إسلامهم وأعمالهم لك ، وإنما خص إبراهيم وإسمعيل ذريتهما بالدعاء ، لأنهم أحق بالشفقة والنصيحة لقوله (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)(٦)(وَأَرِنا مَناسِكَنا) أي علمنا شرائع ديننا وأعلام الحج لنتعبدك بها ، قرىء (٧) بكسر الراء وسكونها (٨)(وَتُبْ عَلَيْنا) أي تجاوز عن ذنوبنا من الصغائر وعن ذنوب ذريتنا من الكبائر (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ) أي المتجاوز البليغ (الرَّحِيمُ) [١٢٨] بعبادك المؤمنين.
(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩))
(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ) أي في جماعة الأمة المسلمة من أولادنا أو في أهل مكة (رَسُولاً مِنْهُمْ) أي محمدا ، قيل : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة مع محمد عليهالسلام (٩)(يَتْلُوا) أي يقرأ (عَلَيْهِمْ آياتِكَ) أي القرآن
__________________
(١) لعل المولف اختصره من البغوي ، ١ / ١٥٤.
(٢) منه ، ب س : عنه ، م.
(٣) ببنائنا ، س م : بنياتنا ، ب.
(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ١ / ١٥٦.
(٥) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ١٥٤ ـ ١٥٦.
(٦) التحريم (٦٦) ، ٦.
(٧) قرئ ، س م : ـ ب.
(٨) «وأرنا» : قرأ المكي والسوسي ويعقوب باسكان الراء ، وقرأ الدوري عن أبي عمرو وباخفاء كسرتها أي اختلاسها ، والباقون بالكسرة الكاملة علي الأصل. البدور الزاهرة ، ٤٠.
(٩) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ١ / ١٥٧.