(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨))
قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) أي من بعضه ، إذ لا يؤكل كل ما فيها (حَلالاً طَيِّباً) أي مستلذا أو طاهرا من الشبهة ، نصب بأنه مفعول (كُلُوا) أو نصب على الحال مما في الأرض ، والحلال كل شيء لا يعاقب عليه باستعماله ، نزل حين حرم خزاعة وثقيف وبنو عامر من العرب على أنفسهم أشياء مما أحل الله عليهم كالبحيرة والوصيلة والسائبية وغير ذلك من الحرث والأنعام ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك (١) وقال : كلوا ما أحل الله لكم (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) بسكون الطاء وضمها (٢) ، أي آثاره وطرقه فتدخلوا في حرام وشبهة ، ثم أعلمهم بحال الشيطان للاحتراض عنه بقوله (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [١٦٨] أي مظهر العداوة أو ظاهرها لا خفاء به.
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩))
وعلل ترك اتباع الشيطان بقوله (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ) أي يوسوس لكم الشيطان ، شبه بعثه على الشر بأمر الآمر الذي يستدعي إطاعتهم (بِالسُّوءِ) أي الإثم الذي لا يجب فيه حد (وَالْفَحْشاءِ) أي أقبح المعاصي الذي يجب فيه الحد (وَأَنْ تَقُولُوا) أي ويأمركم بأن تتكلموا (عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [١٦٩] من تحريم الحرث والأنعام ، يعني بأن تكذبوا على الله وتقولوا بغير علم من قبل أنفسكم حرم الله علينا هذا وأحل ذلك.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي للمشركين من الناس (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) أي اعملوا باتباع القرآن ، يعني بتحليل ما أحل الله وتحريم ما حرم الله في القرآن (قالُوا) لا نتبع ما أنزل الله (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا) أي وجدنا (عَلَيْهِ آباءَنا) فهم كانوا أعلم منا فقلدوا آباءهم مع جهلهم فقال تعالى ردا عليهم بهمزة الإنكار والتعجب مع واو الحال بعدها (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ) أي أيتبعونهم في حال كون آبائهم (لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) من الدين القيم (وَلا يَهْتَدُونَ) [١٧٠] للصواب والحق.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١))
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بدعائهم الأصنام وعبادتهم إياها (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) أي يصوت (بِما لا يَسْمَعُ) أي بالذي لا يدرك من البهائم بالاستماع (إِلَّا دُعاءً) أي صوتا من الناعق (وَنِداءً) أي زجرا مجردا من غير فهم شيء آخر وحفظه كما يفهم العاقل ويجيب (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) رفع على الذم بتقدير هم ، يعني كأنهم صم يتصاممون عن سماع الحق ، خرس لا يتكلمون بالحق ، عمي لا يبصرون الهدى (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [١٧١] أي لا يفهمون شيئا من مواعظ القرآن كالبهائم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا) رزقكم (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي من حلالته بتحليلنا ، فان رضاء الله بأن
__________________
(١) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ١٧٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٤٠ (عن الكلبي).
(٢) «خطوات» : قرأ نافع والبزي والبصري وشعبة وحمزة وخلف باسكان الطاء ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٤٣.