أجرأهم على فعل أهل النار وألقاهم فيها عما استفهامية يورث معنى التعجب لا الاستفهام ، قيل : من كتم علما أعطاه الله ألجم يوم القيامة بلجام من النار (١).
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦))
(ذلِكَ) أي العذاب بالنار (بِأَنَّ اللهَ) أي بسبب أنه (نَزَّلَ الْكِتابَ) أي القرآن (بِالْحَقِّ) أي بالصدق وبما لا شك فيه ، فاختلفوا فيه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض أو قال بعض شعر وبعض سحر وبعض كهانة (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) أي في المنزل من الله (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [١٧٦] أي لفي خلاف طويل منقطع عن الحق لا يرجع إلى الهدى.
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧))
قوله (لَيْسَ الْبِرَّ) برفع الراء اسم «ليس» والخبر (أَنْ تُوَلُّوا) وهو الأصل والأقوى ، وبنصب الراء (٢) خير «ليس» وإن تولوا اسمها وهو قوي من حيث أنه أعرف من البر لأن (أَنْ تُوَلُّوا) كالمضمر في أنه لا يوصف نزل خطابا لأهل الكتاب حين صلى النصارى قبل المشرق وادعوا أنه البر وصلى اليهود إلى بيت المقدس وادعوا أنه البر ، فرد الله عليهم ذلك (٣) ، وقال : ليس البر ما أنتم عليه ، وإنه منسوخ خارج عن البر ، وهو أن تصرفوا (وُجُوهَكُمْ) في الصلوة (قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فلا تعملوا غير ذلك (وَلكِنَّ الْبِرَّ) بتشديد النون ونصب الراء وبتخفيف النون ورفع الراء (٤) مبتدأ ، خبره (مَنْ آمَنَ) بتقدير المضاف ، أي بر من آمن (بِاللهِ) أي صدق به بأنه واحد لا شريك له (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال على أنه كائن لا محالة (وَالْمَلائِكَةِ) بأنهم عباد الله مكرمون عنده (وَالْكِتابِ) أي القرآن أو الكتب المنزلة أنها من عند الله لتحليل ما أحله وتحريم ما حرمه (وَالنَّبِيِّينَ) بأنهم بعثوا لدعوة الخلق إلى الحق ، قوله (وَآتَى الْمالَ) عطف على (مَنْ آمَنَ) ، أي ومن أعطى الصدقة من ماله بعد الإيمان (عَلى حُبِّهِ) أي مع حبه وشهوته لجوعه أو على حب الله أو على حب الإعطاء بطيبة نفس وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمل العيش والغنى ، والجار والمجرور نصب على الحال ، قوله (ذَوِي الْقُرْبى) مفعول «أتى» ، أي أصحاب القرابة الفقراء ، وقدمهم لأنهم أحق بالصدقة لقوله عليهالسلام : «صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذي رحمك اثنتان ، لأنها صدقة وصلة» (٥)(وَالْيَتامى) أي الفقراء منهم (وَالْمَساكِينَ) أي الذين يسكنون إلى الناس لاحتياجهم الشديد (وَابْنَ السَّبِيلِ) أي المسافرين المنقطع عن السفر لعدم الزاد والقوة أو الضيف ينزل بالرجل (٦) ، لأنه جاء من السبيل قال عليهالسلام : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (٧)(وَالسَّائِلِينَ) أي المستطعمين قال عليهالسلام : «للسائل حق ولو جاء على ظهر فرس» (٨)(وَفِي الرِّقابِ) أي يعطي المال في معاونة المكاتبين ليفكوا رقابهم أو في ابتياع الرقاب وإعتاقها أو في فك الأسارى ، قيل : في صرف المال في الوجوه المارة قبل (٩) ذكر الزكوة حث على نوافل الصدقات (١٠) ، لأن النبي عليهالسلام قال :
__________________
(١) نقله عن السمرقندي ، ١ / ١٧٨.
(٢) «البر» : قرأ حفص وحمزة بنصب الراء ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٤٤.
(٣) أخذه عن البغوي ، ١ / ٢٠٢.
(٤) «ولكن البر» : قرأ نافع والشامي بتخفيف النون وكسرها ورفع البر ، والباقون بفتح النون مشددة ونصب راء «البر». البدور الزاهرة ، ٤٤.
(٥) نقله المؤلف عن البغوي ، ١ / ٢٠٤.
(٦) ينزل بالرجل ، س : ـ ب م ؛ وانظر ايضا البغوي ، ١ / ٢٠٤.
(٧) نقله المؤلف عن البغوي ، ١ / ١٠٤.
(٨) أخذه المفسر عن الكشاف ، ١ / ١٠٧.
(٩) قبل ، ب س : قيل ، م
(١٠) لعله اختصره من الكشاف ، ١ / ١٠٧.