«نسخت الزكوة كل صدقة» (١) ، يعني وجوبها (٢) ، وقيل : إن في المال حقا سوى الزكوة نقلا عن الشعبي (٣) وتلا هذه الآية ، قوله (وَأَقامَ الصَّلاةَ) أي المكتوبة (وَآتَى الزَّكاةَ) أي المفروضة في المال ، عطف على (آمَنَ) ، قوله (وَالْمُوفُونَ) عطف على (مَنْ آمَنَ) ، لأن (مَنْ) في محل الرفع ، أي الذين يوفون (بِعَهْدِهِمْ) من الأوامر والنواهي أو النذور (إِذا عاهَدُوا) الله أو عاهدوا فيما بينهم وبين الناس من العقود والودائع والأسرار ، روي عن النبي عليهالسلام : «من أعطى عهد الله ثم نقضه فالله منتف منه» (٤) ، أي انقطع نظره عنه ومن أعطي ذمته رسول الله ثم غدر فالنبي خصمه يوم القيامة (وَالصَّابِرِينَ) بالنصب على الاختصاص في المدح لإظهار فضل الصبر في الشدائد على سائر الأعمال ، أي الذين صبروا (فِي الْبَأْساءِ) أي الشدة والفقر والمصيبة (وَالضَّرَّاءِ) أي في المرض والزمانة (وَحِينَ الْبَأْسِ) أي في وقت القتال والحرب (٥) مع الكفار (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (الَّذِينَ صَدَقُوا) في إيمانهم وفيما عاهدوا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [١٧٧] عن محارم الله وعن نقض العهد أو المطيعون لله لشدة خوفهم من عذابه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ) نزل حين جاء الإسلام وكان القبيلتين من العرب دماء في الجاهلية وجراحات وديات لم تستوف ، فاقسم إحديهما لنقتلن الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى والاثنين بالواحد فتحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٦) ، فقال تعالى : يا أهل الإيمان بالله ورسوله والقرآن فرض (عَلَيْكُمُ) أي على القاتل والجارح منكم إذا طلب الولي ولم يعف (الْقِصاصُ) أي المماثلة (فِي الْقَتْلى) جمع قتيل ، وهي أن يفعل بالجاني مثل ما فعل إن أمكن إذا كان فعله عمدا (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) مبتدأ وخبر ، أي الحر مأخوذ بالحر (وَ) كذلك (الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) قال أبو حنيفة رحمهالله : يقتل الحر بالعبد كما يقتل المؤمن بالكافر ، ويجعل هذه الآية منسوخة بقوله (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(٧) وبقوله عليهالسلام : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» (٨) ، أي تتساوى ، ولأن التفاضل لو اعتبر في النفوس لما قتل جماعة بواحد ، لكنها يقتل (٩) بالإجماع ، وقال الشافعي ومالك رحمهماالله : لا يقتل الحر بالعبد ولا المؤمن بالكافر ، وهذه مفسرة للمبهم في قوله (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(١٠) ولا يصح القول بأن قوله «الحر بالحر» منسخ بقوله (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(١١) ، لأنه ورد في حكاية ما وجب على اليهود في التورية من غير فرق بين الحر والعبد والذكر والأنثى ، فهذه شريعة من قبلنا (١٢) ، وهي لا تلزمنا لما جاء في شريعتنا ما يخالف ذلك وإنما يلزمنا لو لم يجئ المخالف (فَمَنْ عُفِيَ) أي ترك وأسقط (لَهُ) وهو القاتل ، والأصل أن يتعدى «عفي» ب «عن» إلى الجاني أو إلى الذنب فاذا تعدى إليهما معا قيل عفوت لفلان عما جنى وعلى هذه الآية لكنه اختصر عن الثاني ، يعني لو عفي عن جنايته (مِنْ أَخِيهِ) أي من قتيله الذي هو أخوه في الدين أو من الولي الذي هو أخوه في الدين (شَيْءٌ) أي بعض الدم كما إذا عفا بعض الورثة منه سقط القصاص ووجب الدية فيكون العفو هنا
__________________
(١) انظر الكشاف ، ١ / ١٠٧.
(٢) لأن النبي عليهالسلام قال نسخت الزكوة كل صدقة يعني وجوبها ، ب م : ـ س.
(٣) انظر الكشاف ، ١ / ١٠٧.
(٤) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٥) والحرب ، ب م : أو الحرب ، س.
(٦) قاله الشعبي والكلبي وقتادة ، انظر الواحدي ، ٤١ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٠٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي (عن ابن عباس) ، ١ / ١٨١.
(٧) المائدة (٥) ، ٤٥.
(٨) أخرجه ابن ماجة ، الديات ، ٣١ ؛ وأحمد بن حنبل ، ١ / ١١٩ ، ١٢٢ ، ٢ / ١٨٠ ، ٢١١ ، ٢١٥ ؛ ونسائي ، قسامة ، ١٣ ؛ وانظر الأيضا الكشاف ، ١ / ١٠٨.
(٩) يقتل ، س م ، تقتل ، ب.
(١٠) المائدة (٥) ، ٤٥.
(١١) المائدة (٥) ، ٤٥.
(١٢) وهو منقول عن الكشاف ، ١ / ١٠٨.