قوله (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) بالتشديد والتخفيف (١) عطف على تعليل لمحذوف (٢) ، أي شرع لكم ما ذكر من الأحكام لتعلموه ولتتمموا (٣) عدد أيام الشهر لقوله عليهالسلام : «الشهر بضع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه ، فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلثين» (٤) أو المراد لتكملوا عدد أيام الشهر بقضاء إفطاركم بالمرض أو بالسفر (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) أي تعظموه حامدين (عَلى ما هَداكُمْ) إليه من الصوم وهو علة تعليمه إياكم كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر ، وقيل : التكبير ليلة الفطر (٥) أو (٦) هو التكبير عند الإهلال (٧) ، وقيل : هو التكبير يوم الفطر (٨)(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [١٨٥] الله على هذه النعمة حيث رخص لكم الفطر في المرض والسفر فهو تعليل لأجل الترخيص والتيسير.
(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦))
قوله (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي) نزل حين سأل بعض أصحاب النبي عليهالسلام عنه أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه (٩) ، فقال تعالى إيماء إلى سرعة إجابة الدعاء منهم إذا سألك عبادي (عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) أي فقل لهم إني قريب علما وإجابة كمن قرب مكانه فاذا دعى أسرعت تلبيته (أُجِيبُ) أي أسمع للإجابة (دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) أي في أي وقت يدعوني ، قرئ بالياء فيهما وبحذفهما (١٠)(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) أي ليجيبوني إذا دعوتم (١١) إلى الإيمان والطاعة كما أني أجيبهم إذا دعوني بحوائجهم (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) أي ليصدقوا بتوحيدي (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [١٨٦] إلى الهدى من الضلالة.
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧))
قوله (أُحِلَّ لَكُمْ) نزل حين واقع عمر رضي الله عنه أهله في رمضان بعد صلوة العشاء الأخيرة (١٢) بعد النوم وكان الأكل والشرب والجماع حراما في رمضان بعد النوم في ابتداء الإسلام ، فلما اغتسل لام نفسه وبكى ، فجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم واعتذر إليه مما فعل ، فقال عليهالسلام : «ما كنت جديرا بذلك يا عمر» ، فرجع مغتما ، فقام رجال فاعترفوا بما صنعوا بعد العشاء فجاء بشارة الإباحة بقوله «أحل» (١٣) ، أي أبيح لكم (لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ) أي الجماع أو هو كل ما يراد من النساء كالغمز والتقبيل (إِلى نِسائِكُمْ) وعدي الرفث هنا ب «إلى» ،
__________________
(١) «ولتكملوا» : قرأ شعبة ويعقوب بفتح الكاف وتشديد الميم ، والباقون باسكان الكاف وتخفيف الميم. البدور الزاهرة ، ٤٦.
(٢) لمحذوف ، ب م : المحذوف ، س.
(٣) ولتتمموا ، ب م : وليتمموا ، س.
(٤) أخرجه البخاري ، الصوم ، ١١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٢٢١.
(٥) عن ابن مسيب وعروة وأبي سلمة ، انظر البغوي ، ١ / ٢٢١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١١٢.
(٦) أو ، س : و ، ب م.
(٧) أخذه عن الكشاف ، ١ / ١١٢.
(٨) أخذ المفسر هذا المعنى عن الكشاف ، ١ / ١١٢.
(٩) قاله الضحاك ، انظر البغوي ، ١ / ٢٢٤.
(١٠) «الداع إذا دعان» : قرأ ورش وأبو عمرو وأبو جعفر باثبات الياء فيهما في الوصل دون الوقف وقرأ يعقوب باثبات الياء فيهما في الحالين ، واختلف عن قالون فروي عنه إثباتهما وصلا كورش ومن معه وروي عنه حذفهما في الحالين ، والوجهان صحيحان مقروء بهما وإن كان الحذف أكثر وأشهر ، والباقون بحذفهما في الحالين. البدور الزاهرة ، ٤٦.
(١١) إذا دعوتم ، ب س : إذا دعوتهم ، م.
(١٢) الأخيرة ، م : الآخرة ، ب س.
(١٣) اختصره من السمرقندي ، ١ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧.