وإن كان الاستعمال بال «باء» يقال (١) رفثت (٢) بالمرأة لتضمنه معنى الإفضاء ، قوله (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) استئناف كالبيان لسبب الإحلال ، واللباس اسم كل ما يستر الشيء ، فكأن كل واحد منهما ستر لصاحبه عما لا يحل أو كل واحد منهما كالثوب يشمل على صاحبه بالمخالطة والمعانقة عند النوم ، فيقل منهما الصبر والاجتناب فلذلك رخص في المباشرة (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ) أي تخونون (أَنْفُسَكُمْ) وتظلمون بمباشرتهن في غير وقت المباشرة (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي تجاوز عنكم إذ تبتم من عملكم الحرام (وَعَفا عَنْكُمْ) أي محا ذنوبكم فلم يعاقبكم بفعلكم (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي جامعوهن (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أي اطلبوا ما قضى الله وحكم لكم في اللوح المحفوظ من الولد لا مجرد قضاء الشهوة أو اطلبوا منهن ما أبيح لكم وأمرتم به ، قوله (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) أي ليالي الصيام (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) أي يستبين ويظهر (لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) وهو أول ما يظهر من بياض النهار كالخيط الممدود (مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) وهو ما يمتد من سواد الليل مع بياض النهار ، وشبه بياض النهار وسواد الليل بخيطين ، هما أبيض وأسود لامتدادهما ، نزل رخصة للمسلمين في ذلك ، لأن الحكم كان في ابتداء الإسلام حرمة الأكل والشرب في صيام رمضان بعد النوم إلى الليلة القابلة ، روي عن عدي ابن حاتم أنه قال : أخذت خيطين فجعلت أنظر إليهما فلم يتبين الأسود من الأبيض ما لم يسفر الصبح ، فأتيت رسول الله ، فأخبرته بذلك فتبسم فقال : «إنك لعريض القفا إنما هو سواد الليل وبياض النهار» فنزل قوله (٣)(مِنَ الْفَجْرِ) فارتفع الاشتباه وهو بيان للخيط الأبيض من قبيل الاكتفاء به عن بيان (٤) الخيط الأسود ، ويجوز أن يكون «من» للتبعيض ، لأنه بعض الفجر ، قيل : أكثر العلماء على جواز تأخير البيان بعد ورود المجهول ليستفيد منه المخاطب وجوب الخطاب (٥) ، ويعزم على فعله إذا استبان له وبعضهم لم يجوز تأخير البيان لما فيه تحيّر العباد في العمل به وهو لا يليق بالحكيم ، وطعن في هذه الرواية وأبطلها قوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي إلى أوله وهو الغروب ، قيل : فيه دليل على جواز النية بالنهار لرمضان إذ الإتمام بالنية في الصوم وهو في النهار وعلى جواز ترك الغسل إلى طلوع الفجر وعلى نفي الوصال للمخاطبين بالإتمام (٦) ، قوله (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) أي لا تجامعوهن (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ) أي مقيمون بنية الاعتكاف (فِي الْمَساجِدِ) قيل : يجوز الاعتكاف في جميع المساجد لظاهر الآية (٧) ، وقيل : لا يجوز إلا في مسجد جامع ، والعامة على أنه في مسجد جماعة (٨) ، وفيه دليل على أن الاعتكاف لا يجوز في غير المسجد ، وشرطه الصوم عند أبي حنيفة رضي الله عنه دون الشافعي ، والمعنى : أن الجماع مفسدة للاعتكاف في مدته ليلا ونهارا ، نزل فيمن كان يعتكف في المسجد بعد ترخيص الجماع للمسلمين في ليلة الصيام فاذا عرضت له حاجة إلى امرأته خرج بالليل إليها (٩) فجامعها ثم اغتسل فرجع إلى المسجد فنهى الله عن ذلك فحرم في مدة الاعتكاف ثم قال (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) أي الأحكام المذكورة أو المحرمات موانع الله والحد المنع ، ومنه الحديد ، لأنه يمنع ويمتنع به ، ومنه حد الدار ، لأنه يمنع من دخول الغير فيها ، والفاء في جواب الشرط المحذوف في (فَلا تَقْرَبُوها) أي أن تنتهوا فلا تقربوا الحدود ، وفيه مبالغة حيث نهى عن قرب الحدود ولم يقل فلا تعتدوها كما قال (١٠) في آية أخرى (١١) ، لأنه نهي عن قرب الحد الذي هو الحاجز بين طرفي الحق والباطل لئلا يداني الباطل فضلا عن (١٢) أن يتخطاه كما قال عليهالسلام : «إن لكل ملك حمى وحمى الله محامرمه فمن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» (١٣)(كَذلِكَ) أي مثل ذلك البيان (يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ) من
__________________
(١) يقال ، ب س : ـ م.
(٢) رفثت ، ب س : رفث ، م.
(٣) نقله عن السمرقندي ، ١ / ١٨٦.
(٤) بيان ، ب س : بياض ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١١٣.
(٥) لعل المفسر اختصره من الكشاف ، ١ / ١١٣.
(٦) نقله عن الشكاف ، ١ / ١١٣.
(٧) أخذه عن البغوي ، ١ / ٢٣٠.
(٨) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ١ / ١١٣ ـ ١١٤.
(٩) إليها ، ب م : ـ س.
(١٠) قال ، س م : ـ ب.
(١١) انظر البقرة (٢) ، ٢٢٩.
(١٢) عن ، م : ـ ب س.
(١٣) رواه البخاري ، الإيمان ، ٣٩ ؛ ومسلم ، المساقاة ، ١٠٧ ؛ والترمذي ، البيوع ، ١.