أمر الصيام في الصحة والمرض والمباشرة بالنساء والاعتكاف (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [١٨٧] أي يخافون الله فيتبعون ما أمرهم وينتهون عما نهاهم.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨))
قوله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) نزل في رجلين تخاصما في أرض بينهما ، فأراد أحدهما أن يحلف على أرض أخيه بالكذب فقال النبي : «إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه وأرى أنه من حقه فانما أقضي له بقطعة من النار» (١) ، فصارت الآية عامة لجميع الناس ، قوله (بَيْنَكُمْ) حال ، أي لا يأكل بعضكم أموال بعض كائنة بينكم بوجه حرمه الشرع كالرشوة والغصب والحيلة (وَتُدْلُوا بِها) جزم ب «لا» مقدر عطف على (تَأْكُلُوا) ، أي ولا تلقوا بأموال (٢) الرشوة ونحوها (إِلَى الْحُكَّامِ) أي أمراء الظلم وقضاة السوء وأنتم تعلمون أنهم ظلمة ، ثم علل فعلهم بقوله (لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً) أي طائفة (مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ) أي بالجور واليمين الكاذبة وشهادة الزور (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [١٨٨] أنكم تأخذونها بالباطل ، لأن قضاء الحاكم بالباطل لا يحل حراما كما فهم من الخبر.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩))
قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) نزل حين قال ثعلبة بن غنم ومعاذ بن جبل الأنصاريان (٣) يا رسول الله ما بال الهلال يبدو (٤) دقيقا مثل الخيط ثم يزيد (٥) حتى يمتلئ (٦) نورا ثم ينقص ويعود (٧) دقيقا كما بدأ ، والأهلة جمع هلال وهو الصوت ، سمي به لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته (قُلْ) يا محمد في بيان سره (٨)(هِيَ) أي الأهلة (مَواقِيتُ) أي معالم يعرف بها (لِلنَّاسِ) أوقات معاملتهم من الزراعة والتجارة وحل ديونهم وصومهم وفطرهم وعدة نسائهم ، قوله (وَالْحَجِّ) عطف على «الناس» ، أي أوقات الحج والعمرة ، والحج بفتح الحاء مصدر وبالكسر اسم له ، قوله (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) نزل لرفع أمر الجاهلية في أول الإسلام ، لأن الناس من الأنصار كانوا إذا أحرم رجل منهم لا يدخل البيت في أشهر الحج من بابه وكان يدخله من خلفه ، فان كان من أهل المدر نقب في ظهر بيته فمنه يدخل ومنه يخرج ، وإن كان أهل الوبر يدخل من خلف الخيمة ويعدون ذلك برا (٩) ، فقال تعالى (لَيْسَ الْبِرُّ) ، أي لا الإحسان والتقوى بأن تجيؤا البيوت من خلفها إذا أحرمتم (وَلكِنَّ الْبِرَّ) بر (مَنِ اتَّقى) أي خاف الله واتبع أمره ولا يدخل من ظهور البيت (وَأْتُوا الْبُيُوتَ) أي دخلوها محرمين ومحلين (مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ) أي اخشوه ولا تعصوه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [١٨٩] أي لكي تنجوا من عقوبته.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠))
قوله (وَقاتِلُوا) أول ما نزل في أمر القتال لرفع الجناح عن المسلمين (١٠) ، وذلك عند نزول رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع أصحابه بالحديبية ، موضع في قرب مكة ، فيه بئر اسمها حديبية ، ثم سمي ذلك الموضع بها للعمرة ، فصده المشركون عن البيت ، فأقام فيها شهرا وصالحه المشركون على أن يرجع من عامه ذلك (١١) ، ويأتي مكة في العام المقبل ويعتمر ثلثة أيام وعلى أن لا يكون بينهم قتال إلى عشر سنين فرجع إلى المدينة فخرج من العام الثاني
__________________
(١) نقله عن السمرقندي ، ١ / ١٨٧.
(٢) بأموال ، ب م : بالأموال ، س.
(٣) الأنصاريان ، م : ـ ب س.
(٤) يبدو ، ب س : تبدو ، م.
(٥) يزيد ، س : تزيد ، ب م.
(٦) يمتلئ ، ب س : تمتلئ ، م.
(٧) يعود ، ب س : تعود ، م.
(٨) في بيان سره ، ب م : ـ س.
(٩) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٨٨ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٤٥.
(١٠) قاله الربيع بن أنس ، انظر البغوي ، ١ / ٢٣٤.
(١١) ذلك ، م : ـ ب س.