وإذا نظرت بإمعان إلى تفسير الشيخ المفيد فإنّك ترى أنّه لا يخلو من ثقافة عصره في علم الكلام واللغة والشواهد الأدبية. لاحظ كيف يفسّر معنى الظاهر والباطن في القرآن ، فيقول : «معاني القرآن على ضربين : ظاهر وباطن.
والظاهر : هو المطابق لخاصّ العبارة عنه تحقيقاً على عادات أهل اللسان ، كقوله تعالى : (إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) ، فالعقلاء العارفون باللسان يفهمون من ظاهر هذا اللفظ المراد.
والباطن : هو ما خرج عن خاصّ العبارة وحقيقتها إلى وجوه الاتّساع ، فيحتاج العاقل في معرفة المراد من ذلك إلى الأدلّة الزائدة على ظاهر الألفاظ ، كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْصَّلاَةَ وَآتُوا الْزَّكَاةَ) (٢) ، فالصلاة في ظاهر اللفظ هي الدعاء حسب المعهود بين أهل اللغة وهي في الحقيقة لا يصحّ منها القيام ، والزكاة هي النموّ عندهم بلا خلاف ولا يصحّ أيضاً فيها الإتيان. وليس المراد في الآية ظاهرها وإنّما هو أمر مشروع ، فالصلاة المأمور بها فيها هي أفعال مخصوصة مشتملة على قيام وركوع وسجود وجلوس ، والزكاة المأمور بها فيها هي إخراج مقدار من المال على وجه أيضاً مخصوص ، وليس يفهم هذا من ظاهر القول ، فهو الباطن المقصود»(٣).
أقول : وهذا تخريج لغوي يطابق الحقيقة الشرعية في الكلمات ومعانيها.
__________________
(١) سورة يونس ١٠ : ٤٤.
(٢) سورة البقرة ٢ : ٤٣.
(٣) تفسير الشيخ المفيد المستخرج من تراثه : ٤.