جميع الأُمور إنْ شاءَ فَعَلَ وإنْ لم يشأ(١) لم يَفْعَلْ ، لكنّه إذا شاء شيئاً وَجَبَ وإلاّ امتنع ، (إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (٢) ، فذلك الاختيار واجب بالاختيار ؛ لكمال قدرته ، ولازم بالإرادة ؛ لجلال قوّتّه.
فإنّه لو لم يكن له ذلك الاختيار لزم العجز والاضطرار ، تعالى عن ذلك عُلُوّاً كبيراً ، وأيضاً يلزم قِدمُ الآثار(٣) ، فإنّ أثر المؤثّر التامّ : أمّا مقتضي قدرته يمكن بأن ينفكّ عنه ، فهو قادر مختار.
وأمّا(٤) مقتضي ذاته لا يمكن أن ينفكّ عنه ، فهو موجب مضطرّ.
ونحن أثبتنا أنّ العالم محدث وقدرته تعالى(٥) عامّة ؛ لأنّ قادريّة ذاته المجرّدة بالنسبة إلى جميع الأشياء الممكنة(٦) على السواء خلافاً للثنوية(٧)
__________________
(١) في «ث» و «م» : يشاء ، وما أثبتناه من «ك».
(٢) سورة يس ٣٦ / ٨٢.
(٣) في «م» : قدم العالم ، وكلاهما صحيح.
(٤) في «ث ، ك» : أو ، بدلاً عن : أمّا ، وما أثبتناه من «م».
(٥) في «م» لم ترد.
(٦) اُنظر في ذلك : المعتمد في أُصول الدين : ٢٨٠ ، غاية المرام في علم الكلام : ٦٣ ، علم اليقين في أُصول الدين ١ / ٦٩ ، الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرّشاد : ٣٧ ، نهج الحقّ للعلاّمة الحلّي : ٥٣ ـ ٥٤ ، أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ٦١ ، رسائل الشّريف المرتضى ٤٠٨١ ، تلخيص المحصّل : ٢٦٩ ، شرح الأُصول الخمسة : ١٥١.
(٧) الثَّنوية: فرقة من الكفرة يقولون بأثنينية الإله هما : النور والظلمة أزليّان قديمان، وقالوا : نجد في العالم خيراً كثيراً وشرّاً كثيراً ، خلاف المجوس الذين نادوا بحدوث الظلام وذكروا سبب حدوثه.
وأمّا الثنوية فقالت يتساوي الاثنين في القدم واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيّز المكان والأجناس والأبدان والأرواح، وقالوا : فاعل الخير هو النور، وفاعل الشرّ هو الظلمة، انقسموا إلى فرق عدّة. انظر الملل والنحل للشهرستاني ١ / ٢٤٤ ـ ٣٤٥، التبصير