لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا
____________________________________
فإنه (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) فإن أوامره ونواهيه مستطاعة للمكلف وليس في الدين من حرج ، فلا يظن أحد أن الإيمان السابق ذكره في (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) يوجب مشقة وعنتا وإرهاقا (لَها) أي للنفس (ما كَسَبَتْ) من الحسنات فالجزاء الحسن يجزى به من أحسن (وَعَلَيْها) أي على النفس ضرر (مَا اكْتَسَبَتْ) من الآثام والسيئات ولعل في مجيء الكسب من بابين «كسب» و «أكتسب» إفادة أن الطاعة طبيعية والمعصية تؤتي بالتكلف إذ للفظة الاكتساب ظلالا يفيد التعب والغضب بخلاف الكسب وتؤيده قاعدة «زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى» وهناك يتوجه المؤمنون إلى الله داعين سائلين (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) بلا نسيان وإنما تصح المؤاخذة فيهما لغلبة كون مقدماتهما اختيارية وما ينتهي إلى الاختيار يكون بالاختيار (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) أي ثقلا فإن بعض التكاليف قد توجب ظروفها ثقلا وعنتا ، فالمؤمن يسأل أن يجنبه الله سبحانه مثل هذا الثقل (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) فإنهم بلجاجتهم استحقوا تحميل الثقل كما تقدم في قصة بقرة بني إسرائيل وكما قال سبحانه : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (١)
__________________
(١) النساء : ١٦١.