قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
____________________________________
نظر عالم معتبر لا بد له من الإذعان بالوحدانية (قائِماً بِالْقِسْطِ) أي في حال كونه سبحانه قائما بالعدل ، فإن القسط بمعنى العدل ، ومعنى قيامه سبحانه بالعدل أنه يفعل ما يفعل بالعدل فخلقه ، وتقديره ، وتشريعه ، كل بالعدل ومعنى العدل الاستواء ، مقابل الظلم الذي هو الاعوجاج والانحراف ، فمثلا جعل الشمس في السماء عدل لأنها تنير وتشرق وتقيم المجموعة الشمسية بينما عدمها انحراف وظلم ، وكذلك تقدير هذا غنيا وذاك فقيرا ، وهذا رئيسا وذاك مرءوسا بالعدل ، وما يشاهد في ذلك من الانحراف فإنه ليس من التقدير وإنما من سوء اختيار الناس ، وكذلك تشريع الصلاة واجبة ، والخمر محرمة بالعدل.
يقال أن رجلا سأل كسرى عن سبب عدله قال : لعدة أسباب منها أني رأيت في الصحراء يوما كلبا كسر رجل غزال ، فما لبث أن رماه إنسان بحجر فكسر رجله فلم يمض على الرجل إلا برهة إذا بفرس رفسه فكسر رجله ، فلم تمض على ذلك لحظات إلا بالفرس عثر فانكسرت رجله ، وهناك علمت أن الظلم عاقبته وخيمة .... والإنسان إذا لم يعرف الصلاح والعدل في بعض الأشياء فليس له أن يعترض ، والحال أنه يجهل أكثر الأشياء ، فهو كمن يعترض على أدوية وصفها الطبيب وهو لا يعرف من الطب شيئا ، ولفظة «قائما» فيها إيماءة لطيفة ، فإن القائم يشاهد ما لا يشاهده القاعد ، إذ هو مسيطر مشرف (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تكرار للتأكيد ، فإن العالم قبل الإسلام كان مرتطما في أو حال الشرك حتى جاء الإسلام فأظهر التوحيد وجدد ما محي من سنن الأنبياء عليهمالسلام وإرشادهم حول المبدأ تعالى (الْعَزِيزُ) في سلطانه (الْحَكِيمُ) الذي يفعل كل شيء عن حكمة وعلم.