المتأخّرة عن رسول الوحي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد نزول القرآن ، وإنّما عبّر عنها في الآيات والروايات بالآية تارة (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) (١) وبالبيّنة تارة (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢) وبالبرهان تارة ثالثة (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ) (٣) وبالسلطان رابعة (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٤) لما في هذه الألفاظ من اندماج بين وحي اللفظ وبصيرة العقل وقوّة الحجّة ومنطق البرهان ، فتحاكي وجدان الإنسان وقلبه وعقله وفطرته وبصره وبصيرته بما يقطع أمامه سبل الشكّ ، ويزيح ظلمات الوهم.
فالآيات علائم ودلالات ظاهرة ، كما أنّ دلالاتها واضحة سواء كانت دلالة عقليّة أو حسيّة ، والبرهان إظهار للحجّة بموازين العقل والحكمة ، وهو أوكد الأدلّة المحفّزة لكوامن الصدق والتصديق ؛ لذلك يقتضي الصدق لا محالة ، والسلطان لما فيه من سلطنة وهيمنة على القلب والعقل تدعو إلى الإيمان ، وتدفع الشكوك والأوهام ، ولا يبعد أن تكون الآية لعموم الناس ؛ لأنّ الحب طريقهم إلى الإيمان واليقين غالبا ، والبيّنة في مواقع إظهار ما يخفى على الناس معرفته ، والبرهان لمن كان من أهل العقول والأفكار ، والسلطان لتسلّطه على أهل العلم والحكمة من الناس. هذا من حيث خصوصيّات كلّ لفظ منها.
وأمّا من حيث الهدف والمضمون فالجميع يشترك في تصديق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتثبيت حقّانيّة دعواه ، واستقامة طريقه ، وصحّة أهدافه ونواياه. ولعلّ من هنا اتّفقت الكلمة على انحصار طريق معرفة صدق دعوى الأنبياء عليهمالسلام بظهور المعجز على أيديهم كما يظهر من أقوال المحقّقين كقولهم : «وطريق معرفة صدقه ظهور المعجزة على يده». (٥)
__________________
(١) الأنعام : ١١٠.
(٢) الأعراف : ٧٤.
(٣) القصص : ٣٣.
(٤) إبراهيم : ١١.
(٥) تجريد الاعتقاد : ٢١٤.