وعليه فإنّ طريق التصديق بالنبوّة والإيمان بها ينحصر بالإعجاز الذي يظهره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم شاهدا مطابقا لدعواه.
ولعل هذا هو المرتكز في أذهان البشر وفطرهم كسبيل قد يعد وحيدا ، أو الأكثر قوّة ، والأسرع أثرا في التصديق والإيمان ؛ ولذا كان أوّل نداء يطلقه الكافرون في مواجهة دعوات الرسل والأنبياء عليهمالسلام هو المطالبة بإظهار الآيات والمعاجز ، وكلّ قوم كانوا يطلبون من رسولهم ذلك حتّى وإن أقرّوا بغيره من الأنبياء السابقين.
قال تعالى : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (١).
ففي الوقت الذي أثبتت الآية التقارن التامّ بين رسالات الرسل والآيات البيّنة كشفت عن إيمان اللاحقين بدعوات السابقين حتّى وإن كذّبوا من أرسل إليهم من الأنبياء ، فطالبوهم بإظهار الآية.
وكانت هذه الآيات هي الحجّة التي تنهض للمطالبين الصادقين في دعواهم لجذبهم إلى الإيمان ، كما تثبت على المعاندين لو أصرّوا وظلّوا في غيّهم يعمهون.
ولعلّ ممّا يشهد لذلك آيات متضافرة في الكتاب العزيز ، بعضها يثبت وقوع الإعجاز مقارنا لدعوى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعضها يبيّن نوع الإعجاز وتفاصيل حدوثه.
وربّما يعدّ من الأولى قوله سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).
فهي في الوقت الذي تثبت دلائل الأنبياء الكافية في اليقين والإيمان
__________________
(١) الأنبياء : ٦.
(٢) الروم : ٤٨.