قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)
____________________________________
ليس الإنظار إلى يوم القيامة بل (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
[١٧] (قالَ) إبليس بعد إمهال الله سبحانه له (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) أي بسبب إغوائك لي ، وليس المراد إغواءه سبحانه ، بل المراد الإتيان بسبب ، وأمره بأمر سبب غوايته ، وقد ذكرنا سابقا أن الأفعال إنما تنسب إليه سبحانه لأنه الخالق المهيئ للأسباب والوسائل (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي للبشر (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أي أقعد في طريقك لأغوي البشر عنه إلى الضلال والانحراف ، فإن إغوائي للبشر مقابل إغوائك لي ، وقد كان هذا القياس من الشيطان أيضا باطلا ، وهو مثل أن يعطي الأب ولديه رأس مال ، فيأخذ أحدهما رأس المال ويذهب به نحو الفساد ، ثم لما أتم ماله ، وبقي رأس مال أخيه يقول لأبيه ، كما سببت فسادي أسبب فساد أخي ، وهذا الكلام خارج عن المنطق ، إذ الأب لم يسبب فساده وإنما أراد صلاحه ، بخلاف عمله في فساد أخيه فإن الفاسد يسبب فساده.
[١٨] (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أي من قدامهم (وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) وهذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ، فكما يجلس اللص في طريق المسافرين ، ثم يهاجمهم من جميع جوانبهم الأربعة ليسرق ما معهم ، كذلك الشيطان يطوّق الإنسان ليضله عن طريق الله سبحانه (وَلا تَجِدُ) يا رب (أَكْثَرَهُمْ) أي أكثر البشر (شاكِرِينَ) لك ولنعمك ، بل يتبعون طريق الكفران ، فإن من عصى