قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ
____________________________________
العيان. وقد كان هذا السؤال من موسى إجابة لطلب قومه ، فقد روي أنه لما كلّمه الله وقرّبه نجيّا رجع إلى قومه فأخبرهم بذلك ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعته ، فاختار منهم سبعين فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد إلى الطور وسأل الله أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله فسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأن الله أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن بأن هذا الذي سمعناه من جميع الوجوه كلام الله حتى نرى الله جهرة ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا. فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك؟
فأحياهم وبعثهم معه فقالوا : لو أنك سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك فتخبرنا كيف هو ونعرفه حق معرفته ، فقال : يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم بعلاماته ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله إليه : يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى : رب أرني انظر إليك (قالَ) الله تعالى في جواب موسى : (لَنْ تَرانِي) أبدا ، فإن «لن» لنفي الأبد ، وذلك لاستحالة رؤية الله سبحانه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فإن للرؤية شرائط كلها مفقودة بالنسبة إليه سبحانه ، ومنها أن يكون المرئي جسما أو عرضا ، والله سبحانه ليس بجسم ولا عرض (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ)