فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ
____________________________________
الذي كان هناك (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) حال التجلّي (فَسَوْفَ تَرانِي) وقد كان هذا من باب التعليق بالمحال ، فإن استقرار الجبل مكانه مع إرادة الله عدم الاستقرار له كان مستحيلا. فيكون التعليق على ذلك مثل قوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (١) ، وقوله : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٢) ، (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٣) ، مما جرى العرف بالتعليق على شيء لا يكون ، في بيان أن الشيء الفلاني لا يكون (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) أي رب موسى عليهالسلام (لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) أي مستويا مع الأرض ، والمراد بالتجلي : خلق نور يشع على الجبل ، أو إظهار قدرة وعظمة له (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) أي وقع مغشيا عليه من الرعب والخوف (فَلَمَّا أَفاقَ) من غشيته ورجعت قواه إليه (قالَ) موسى عليهالسلام : (سُبْحانَكَ) أي أنزهك تنزيها عما لا يليق بك من رؤية وغيرها من النواقص (تُبْتُ إِلَيْكَ) أي رجعت إليك في أموري ، ولم يكن ذلك توبة عن ذنب بل إنه على وجه الانقطاع والتخضّع ، فإن الإنسان إذا رأى الأمور الجليلة يذكر الله بالتسبيح والتقديس والاستغفار ، والسر أن هذه الألفاظ صارت إعلاما للخضوع والخشوع ، لكثرة ما استعملت فيهما. ومنه الحديث : «كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يستغفر الله من غير ذنب» (٤) وإن شئت قلت : إنه إنشاء مفهوم التوبة
__________________
(١) الأعراف : ٤١.
(٢) الزخرف : ٨٢.
(٣) الأنبياء : ٢٣.
(٤) راجع وسائل الشيعة : ج ٧ ص ١٨٠.