إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥)
____________________________________
الاستفهام ، كما أنك إذا رجوت الأمير في سماع كلامك تقول : «هل يسمع الأمير كلامي» ، أي أن الإهلاك بسبب ما طلبه السفهاء من الرؤية ، خلاف رجائنا فيك ، وإن كان بالاستحقاق ، حيث أن مثل هذا الطلب من السفهاء وسكوت العقلاء عنهم ـ بعدم إنكار المنكر ـ موجب لاستحقاق العقوبة ، وإضافة الهلاك إلى ضمير المتكلم مع الغير «نا» باعتبار كون موسى عليهالسلام ومن معه كتلة واحدة ، فهلاك بعضهم هلاك للجميع ـ مجازا ـ.
ثم بيّن عليهالسلام أن ذلك الهلاك لم يكن اعتباطا ، حتى لا يظن الظان أن موسى عليهالسلام في مقام الاعتراض (إِنْ هِيَ) ما هذه الرجفة التي أصابتهم (إِلَّا فِتْنَتُكَ) واختبارك ، إنك يا رب صنعت ذلك لأجل الامتحان ، والإهلاك امتحان للناس ليعتبروا ، ولنفس الهالكين بعد حياتهم (تُضِلُّ بِها) أي بالفتنة (مَنْ تَشاءُ) ممن لم تنفعه الهداية ، حيث تتركه وشأنه ليضل. وقد سبق أن الفعل ينسب إلى الله تعالى ، لأن الأسباب والآلات منه تعالى ، كما يقال : «أفسد فلان ولده» إذا أعطاه المال ولم يؤاخذه بعمله الفاسد (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) لم يذكر هنا «بها» لأن الهداية تكون بدون الاختبار أيضا ، فالهداية أعم من الابتدائية ومما تتعقب الاختبار (أَنْتَ) يا رب (وَلِيُّنا) مولانا وأولى بالتصرف فينا فلك ما تفعل ولا تسأل عن فعلك (فَاغْفِرْ لَنا) بستر ذنوب من أذنب منّا (وَارْحَمْنا) بفضلك ورحمتك (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) فإن غفرانك بلا منة وذلة. ثم إنه سبحانه أحيى السبعين الذين هلكوا ، كما تقدم في سورة البقرة.