شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢)
____________________________________
فإن الغالب أن يصوغ البليغ الكلام في قالب جذاب لبيان المراد.
(شَهِدْنا) فالغرض من الآية أن الفطرة تشهد على توحيد الله سبحانه بما أودع فيها من درك الحقيقة وفهم الواقع. وإنما أودعنا في الفطرة هذه الشهادة ل (أَنْ) لا (تَقُولُوا) أيها البشر (يَوْمَ الْقِيامَةِ) حين يعاتب المشرك على شركه ، والجاحد على جحوده : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا) الأمر وهو التوحيد (غافِلِينَ) فقد أودعنا فيكم ما يزيل غفلتكم.
لا يقال : فعل هذا يلزم صحة العقاب حتى بالنسبة إلى من لم تبلغه الدعوة؟
لأنه يقال : هو كذلك ، إلّا أن الله سبحانه بلطفه لا يعذب حتى يتمّ الحجة الظاهرة ، كما قال سبحانه : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١) ، وهذا التفسير للآية الكريمة إنما هو القول الثاني الذي يأخذ بالظاهر مع غض النظر عن أخبار «عالم الذر» والذي أظن أنه لا مانع من الجمع بين الأمرين ودلالة الآية عليهما ، فإنه لم يدل دليل على امتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، بل الذي يظهر في بعض الروايات أن بعض الآيات القرآنية تدل على أكثر من معنيين سواء كان المعنيان من باب المصداق أو لا ، كما أن في الآيات السابقة «إنّا عرضنا ..» يمكن الأمران ، وكان الظاهر اللفظي البلاغي يؤكد كون الألفاظ مسوقة للمعنى العرفي ، لا الخارجي ـ والله أعلم ـ.
__________________
(١) الإسراء : ١٦.