وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)
____________________________________
[٤٧] (وَأَطِيعُوا اللهَ) فيما أمركم (وَرَسُولَهُ) فيما بيّن لكم ـ وقد مرّ مكررا أن قرن اسم الرسول باسم الله سبحانه للتعظيم ، ولأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم هو المبيّن ـ (وَلا تَنازَعُوا) فيما بينكم فيقول بعض : نقدم ، ويقول بعض : نحجم (فَتَفْشَلُوا) فإن التنازع يوجب تبديد القوى المعنوية بالإضافة إلى تبديده وإضاعته للقوى المادية (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي دولتكم ، فإن الريح بمعنى الدولة لغة ، أو هو من باب التشبيه ، فإن الدولة تشبّه بالريح لهبوبها وسيطرتها على الأشياء ونفوذ أمرها ، يقال : «هبت ريح فلان» إذا نفذ أمره.
والتنازع ، لا يجزئ القوى إلى سلب وإيجاب فقط ، بل فوق ذلك يضعف القوى الإيجابية. فلو فرضنا أن طاقة زيد تقدّر بألف مقاتل ، فإذا خالفه عمرو قدّرت طاقته بخمسمائة ، حتى أنه لو كان وحده بدون مخالف لقدرت طاقته بألف ، وذلك لأن المخالف يحدّ من النشاط ويضعف من القوى ، بخلاف التجمع فإنه يزيد الطاقة الألفية إلى الألفين. ولذا ثبت في علم النفس أن الإنسان إذا رأى خلافا فالأفضل أن يصمّ عن المخالف حتى يبقى على قواه الذاتية ، ولا تحد من نشاطه الطاقة المناوئة.
(وَاصْبِرُوا) والفرق بين الثبات والصبر ، أن الصبر يلائم حالة الهزيمة والنصر ، وهو مقابل الجزع ، والثبات مقابل الانهزام ، ومن الواضح أن الصابر يصل إلى مطلبه ولو انهزم وقتيا (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والظفر ، وليس المراد المعية الجسمية ، كما هو واضح.