نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ
____________________________________
(نَكَصَ) الشيطان أي رجع (عَلى عَقِبَيْهِ) أي متقهقرا منهزما ، فإن الإنسان إذا أراد أن يتقهقر اعتمد على عقب رجليه ، وهذا تشبيه لإفادة الفرار مع الجبن ، فإن الجبان لا يدبر خوفا من أن يلحقه الطلب.
(وَقالَ) الشيطان للكفار : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) فلا صلة بيننا ، ولا أفي بما ضمنت لكم من الإجارة والنصر (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) فقد رأى الشيطان الملائكة وكان يعرفهم ، وعلم أنه لا طاقة له بهم ، كما أن الملائكة كانت تعرف الشيطان (إِنِّي أَخافُ اللهَ) بأن يعذبني على أيدي الملائكة (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) لا يطاق عذابه.
وفي بعض التفاسير : وإنما قام الشيطان بهذا العمل ـ أي تشجيع الكفار ـ لأن الله سبحانه شاء أن يخرجهم إلى حرب المسلمين ، فتنكسر شوكتهم وتذهب ريحهم ويتحطم كبرياؤهم.
ومن الانهزامية المادية أن نأوّل هذه الآية كسائر الآيات المبينة لما وراء المادة ، بتأويلات لا تنافي الأمور المادية ، فإن التأويل إنما يصح إذا دل عقل أو نقل قطعي على خلاف الظاهر ، أما إذا لم يدل دليل ولم تكن هناك قرينة ، فأي مبرّر لأن نترك الظاهر بمجرد أنه يلائم الأمور المادية ، ولو فتح هذا الباب للزم أن نقول بذلك حتى في القرآن الحكيم نفسه ، إذ هو أيضا أمر خارج عن طوق المادة.
[٥٠] كان تزيين الشيطان للمشركين قتالهم مع المسلمين (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ)