وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥)
____________________________________
إلى المال ، كما أنهم يخافون من القوة ، لذا تجبرهم الطبيعة على عدم الاعتناء بالأنبياء وإن كان الغالب أنهم يصدقونهم قلبا ، كما قال ذلك الشاعر للحسين عليهالسلام : «قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية» ، وقال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (١). ومن ذلك نرى أن الملوك إذا قبلوا الدين دخل فيه أتباعهم.
أما سر أن الأنبياء عزّل هو أن يكون في الدين صعوبة ليكون المؤمن مستحقا للأجر والثواب ، وهذا هو سر فضيلة السابقين إلى الدين ، لأنهم يلاقون من الصعوبة ما لا يلاقيه غيرهم.
[٨٥] (وَقالَ مُوسى) لقومه المؤمنين به : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) إيمانا صادقا راسخا (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) فوّضوا أموركم إليه (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) أي إن كنتم منقادين لله ، فإن «الإسلام» هو الانقياد عملا ، كما قال تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٢) ، فالإيمان هو الاعتقاد ، والإسلام هو التسليم ، وبينهما عموم من وجه ، فكم من معتقد لا يسلم ، وكم من مسلم لا يعتقد.
[٨٦] (فَقالُوا) أي قال قوم موسى : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) فوّضنا أمورنا إليه واثقين بنصرته لنا (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فنكون امتحانا
__________________
(١) النمل : ١٥.
(٢) الحجرات : ١٥.