إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ
____________________________________
وهنا يرشده سبحانه أنه لا يحتاج إلى كنز أو ملك (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) تنذر الناس ، والمنذر لا يحتاج إلى كنز ، وإنما طالب المال يحتاج إليه ، كما أنه لا يحتاج إلى الملك ، بل إنه بحاجة إلى التصديق ، وقد كانت معه صلىاللهعليهوآلهوسلم أدلة الصدق ، من المعجزات الباهرات (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فهو الموكل بهم ، والمتصرف في أمورهم ، و «الوكيل» هو العارف بالصلاح دونهم ، فما يفعله من عدم تلبية مثل هذه الخوارق إنما ذلك من صلاحهم وإن لم يعرفوا.
[١٤] (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي بل يقولون إن الرسول افترى القرآن على الله سبحانه ونسبه إليه كذبا مع أنه ليس من عنده (قُلْ) يا رسول الله لهم : إن كان القرآن من كلامي وليس من كلام الله سبحانه (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) أي مختلقات من عند أنفسكم ، فإنه لو كان من كلام البشر لتمكن البشر من الإتيان بمثله.
وليس لأحد أن يقول كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في الدرجة الأولى في البلاغة ، لذا لم يقدروا أن يأتوا بمثله. إذ كونه بالدرجة الأولى لا تمنع أقرانه أن يأتوا بجزء من بلاغته. ومن المعلوم بأن القرآن كبير فليأتوا بمثل بعضه ، كما أن كون أحد المهندسين أقوى من غيره في التصميم ورسم الخرائط ، ليس معناه أن سائر المهندسين لا يتمكنون حتى ولو بتخطيط تصميم واحد كتصميمات ذلك المهندس الكثيرة ، بل معناه أنه من حيث المجموع أقدر من غيره. ثم لو كان افتراء لزم ـ عقلا ـ تعجيز الله له ، وإلا لزم الإغراء بالجهل ، ولذا لم يدّع أحد النبوة كاذبا إلا