فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا
____________________________________
من إسعاف هؤلاء المشركين به ليأتوا بمثل القرآن ، فإذا لم يأتوا به دل ذلك أن الله واحد لا شريك له ولا مثيل (فَهَلْ أَنْتُمْ) بعد قيام الحجة عليكم (مُسْلِمُونَ)؟ لكنهم لم يسلموا ، بل ظلوا يحاربون الإسلام حتى خضعوا بالقوة.
ثم إن القرآن تحدّى الكفار مرة بالإتيان بسورة ، ومرة بالإتيان بعشر سور ، ومرة بالإتيان بمثل القرآن كله ، فهل كان التحدي بهذا الترتيب؟ قاله بعض المفسرين ، وقال آخرون : إن التحدي بعشر سور كان بعد التحدي بسورة واحدة ، فما السر؟
الظاهر أن المراد : عدم إمكانهم أن يأتوا بشيء مثل القرآن ، سواء سورة واحدة منه أو أكثر ، فإن ذلك خارج عن موضوع التحدي ، وإنما اختلف حسب المقامات ، وذلك كما أن الطبيب إذا أراد تحدي من لا معرفة له بالطب وهو يدعي ذلك : يقول : «اشف مريضا ، اشف عشرة مرضى ، اشف من في البلد» ، فإنه لا يريد إلّا التحدي ، لا عدد المرضى الذين يريد المدعي علاجهم.
[١٦] إن الكفار الذين لم يرضخوا للقرآن والحق ، إنما كانوا يخافون منه على منافعهم الدنيوية من رئاسة ومال وما إليهما ، فكيف يستعدّ من هو سيد قومه في قريش أن يذعن للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي يزعم أنه دونه في المجتمع ، وكيف يرضخ الرئيس الديني اليهودي الذي تجبى إليه ثمرات عمل ألوف اليهود أن يترك كل ذلك ، ليكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم. ولذا يذكرهم سبحانه بهذه الحقيقة الكامنة في نفوسهم (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي الحياة القريبة