الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ
____________________________________
الطبقة المستعلية ، يأتي بيان حوارهم ، وإلّا فغيرهم أيضا كان يجادل ويحاور (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) صفة «الملأ» ، وليس المراد ب «كفروا» تجدّد الكفر منهم ، بل كونهم كفارا ، فإن فعل الماضي ينسلخ عن الزمان غالبا ـ في مثل هذه الموارد ـ ولا مفهوم للوصف ، بأنه كان هناك عدّة لم يكفروا ، لأنه وصف توضيحي لا احترازي : (ما نَراكَ) يا نوح (إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) فكيف تدّعي النبوة والرسالة من الله سبحانه. فقد كانت كل أمة تظن أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يلزم أن يكون من الملائكة ، لا لبرهان عندهم ، بل لرفعة مقام الرسالة في نفوسهم ، لأنه لا يمكن أن يكون بشرا مثلهم في حين يدعي أنه متصل بالسماء وواسطة بينهم وبين الله العظيم (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) لم يتبعك الأشراف والرؤساء والمثرون ، وإنما اتبعك وآمن بك الأراذل ، وهو جمع «رذل» وهو الخسيس الحقير في كل شيء ، فكيف يؤمن الأشراف في صف الأراذل.
وقد كان الغالب أن الفقراء الذين ليس لهم ثروة ومنصب هم أسرع الناس قبولا إلى اتباع كل حق وباطل ، لأن المال والمنصب والكبرياء تمنع عن الاستجابة ، وتسبب القسوة والغلظة ، بخلاف الجماهير والفقراء من مختلف الطبقات والأعمال وما أشبه ، فإنهم أقرب إلى البساطة ، والفطرة السليمة.
في حال كونهم (بادِيَ الرَّأْيِ) أي ظاهر الرأي لا عمق لرأيهم ، حتى يتدبروا ويتفكروا في الصدق والكذب ، والعواقب والمصير ،