وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)
____________________________________
[٣٧] (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ) بعد تلك البلاغات الكبيرة والمحاولات الطويلة ، والأمد البعيد (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) بك من قبل فلا رجاء في الباقين (فَلا تَبْتَئِسْ) أي لا تحزن ولا تغتم ، من «الابتئاس» وهو افتعال من «البؤس» بمعنى الغمّ (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) من الكفر وأنواع المعاصي ، فإن الإنسان إنما يحزن إما لنفسه كيف يكون مصيره مع قومه ، وإما للقوم ، أما إذا أدّى ما عليه بالدعوة مرارا كثيرة فلا حزن لنفسه ، كما أنه لو علم أن لا خير فيهم فلا حزن عليهم.
[٣٨] (وَاصْنَعِ) اعمل (الْفُلْكَ) هي السفينة لتركبها أنت والمؤمنون عند الطوفان (بِأَعْيُنِنا) بمرأى منّا فإن «أعين» جمع «عين» أي برعايتنا وحفظنا ، حيث ننظر إليك وإلى عملك. ومن يراقبه الله سبحانه لا يضل ولا يزيغ (وَوَحْيِنا) أي تعليمنا لك كيفية الصنع (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) لا تسألني العفو عن هؤلاء الكافرين ، ولا تشفع لهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) قد حكم عليهم بالغرق والهلاك ، وإنما خاطبه سبحانه بذلك ، ليعلم أنه لا يستجاب مثل هذا الدعاء ، فلا يتعب نفسه في الطلب والسؤال.
وإن قيل : كيف يجمع هذا الأمر ـ وهو أن نوحا عليهالسلام كان يريد الدعاء لهم بالخير ـ مع قوله سبحانه حكاية عن نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (١)؟
__________________
(١) نوح : ٢٧.