وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨)
____________________________________
فالجواب : إن دعاء الخير لمن يحتمل إيمانه في المستقبل ، لا ينافي دعاء الشر لمن علم بعدم إيمانه أصلا ، فإن قوله عليهالسلام «من الكافرين» يعني الذين لا يرجعون عن غيّهم وكفرهم ، وفوق ذلك (يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (١) ، فلا خير في نسلهم كما لا خير فيهم .. أما الذين ظلموا فلعله كان يحتمل رجوع بعضهم. وبهذا الخطاب منه سبحانه تبين أنه لا يفيد فيهم الدعاء ، ولا يرجعون عن غيّهم أبدا ، وأنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن من قبل.
[٣٩] (وَ) جعل نوح عليهالسلام (يَصْنَعُ الْفُلْكَ) بيده ، ينحتها ويسويها ، كما يصنع النجار من الأخشاب الأبواب وغيرها (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ) جماعة (مِنْ قَوْمِهِ) الذين دعاهم فلم تنفعهم الدعوة (سَخِرُوا مِنْهُ) استهزءوا منه قائلين : يا نوح صرت نجارا بعد طول الدعوة وادّعاء النبوة ، والجدال والبحث حول الإله والمعاد ، استهزاء به وسخرية منه ، فكانوا يتضاحكون يقول بعضهم لبعض : انظروا إلى هذا المدّعي للنبوة كيف ينجر سفينة بهذا الكبر في اليابسة حيث لا ماء.
(قالَ) نوح عليهالسلام في جوابهم : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا) على هذا العمل (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) أي نجازيكم على سخريتكم بسخرية منّا عند نجاتنا وغرقكم. إما سخرية حقيقية ، وإما من باب تسمية الجزاء باسم المجزي به ، نحو : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
__________________
(١) نوح : ٢٨.