وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤)
____________________________________
«غاض يغيض» إذا تسرّب في الباطن (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) تمّ الأمر المراد ، وهو هلاك الكفار ونجاة المؤمنين (وَاسْتَوَتْ) استقرت السفينة (عَلَى) جبل يسمى (الْجُودِيِ) وقد ورد في التفاسير أنه جبل بالموصل في شمال العراق (١) (وَقِيلَ) أي قال الله سبحانه ، أو الملائكة ، أو نوح والمؤمنون ، والمراد : نتيجة ذلك (بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين كفروا وظلموا أنفسهم ، فليبتعدوا عن رحمة الله ، وعن سعادة الدنيا بالهلاك ، وعن خير الآخرة بدخول النار.
وقد ذكر المفسرون وأهل البلاغة أن هذه الآية الكريمة في كمال البلاغة مما يدهش العقول والألباب فقد ذكروا أن كفار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن فعكفوا على لباب البرّ ولحوم الضأن وسلاف الخمر أربعين يوما لتصفو أذهانهم ، فلما أخذوا فيما أرادوا سمعوا هذه الآية ، فقال بعضهم لبعض : هذا كلام لا يشبه شيء من الكلام ، ولا يشبه كلام المخلوقين ، وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا.
وكان أهل الجاهلية إذا ألّفوا أفصح القصائد علقوها بالكعبة ، وهكذا حتى جمعت من أفصح القصائد وأبلغها على الكعبة سبع ، لامرئ القيس وزملائه ، فلما نزلت هذه الآية ، أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بكتابتها ، وأن تعلق قرب المعلقات السبع ، فف عل ذلك بعض المسلمين ، ولما أصبحت قريش وأتت إلى الكعبة ، ورأت الآية إلى جنب المعلقات ،
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١١ ص ٣٣٣.