إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ
____________________________________
وكونه متعلق العلم وعدم كونه متعلقه. إلّا أن الإنشاء حيث يحمل دائما ـ في طيه ـ إخبار عن شيء صح الاتصاف بهذه الأمور ، فمثلا يسألك أحدهم مالا ، فتقول : إنه يكذب ، ولست تريد أنه يكذب في السؤال ، بل تريد أن الخبر الذي يدل عليه هذا الإنشاء ـ وهو أنه فقير معدم ـ غير صحيح ، إذ ظاهر السائل أنه لفقره يسأل ، فأنت تريد تكذيب ذلك الخبر المنطوي في هذا الإنشاء ..
وهنا كذلك ، فإن سؤال نوح لم يكن بما ليس له به علم ، بل الخبر الضمني كان بدون علم فإنه عليهالسلام أخبر بأن الله وعده نجاة ابنه ـ بتشكيل القياس ـ «ابنه من أهله» ، و «أهله موعود نجاتهم» ، ف «ابنه موعود نجاته». وقد كان نوح عليهالسلام يرى أن الوعد بنجاة الأهل شامل للولد أيضا ، وعلى هذا طلب الوفاء بالوعد ، لكنه سبحانه بيّن أنه لم يكن داخلا في الوعد ، ولم يدل دليل على لزوم علم الأنبياء بجميع الأمور ، حتى يقال أن نوحا عليهالسلام كيف لم يعلم ذلك ، وهذا لا ينافي مقام العصمة ، فإن معنى العصمة أن لا يذنب ، لا أن يعلم كل شيء.
(إِنِّي أَعِظُكَ) يا نوح (أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي لئلّا تكون جاهلا ، ولا شك أن وعظه سبحانه يبدّد الجهل. وقد يظن بعض الناس أن هذه عبارة خشنة ، لكن الظاهر أنه جار مجرى التكلم المعتاد ، في مقابل التكلم بلين ، ومقامه سبحانه لا يقتضي اللين في الكلام ، ويحتمل أن يكون إفراغ الغالب في هذا القالب لإفادة مبغوضية الكفار لدى الله سبحانه ـ وقد سبق ما يشبهه في قصة أخذ موسى عليهالسلام برأس أخيه ـ.
[٤٨] (قالَ) نوح عليهالسلام بعد ذلك الكلام منه سبحانه : يا (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ