بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧)
____________________________________
بِكَ) أي أعتصم بك ، من «عاذ» إذا استجار (أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أي أسألك شيئا ليس فيه صلاح ، ويكون سؤالي صادرا عن عدم علم لي بالواقع. ولا يخفى أن ذلك لا ينافي أيضا مقام العصمة ، فإن «ولدك لو سألك أن تذهب إلى النجف ، ولم يكن ذلك من الصلاح ، لأن الأجور تحمّلك خسارة كبيرة ، فهل أن سؤاله يعد عصيانا لك؟». لكن نوحا عليهالسلام أراد أن يجنّبه الله سبحانه حتى من هذا النحو من السؤال.
(وَإِلَّا) أي : وإن لم (تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) «الغفران» الستر ، و «الترحم» التفضّل ، وهما كما يكونان بالنسبة إلى العاصي ، يكونان بالنسبة إلى المطيع ، فإن الإنسان مهما بلغ من النزاهة فإنه يحتاج إلى ستر الله لما لا يليق بشأنه ، كما يحتاج إلى تفضّله ، وهذا هو سر استغفار المعصومين.
فمثلا إن التوجه إلى إنسان في كلام مما يسبب عدم التوجه إلى الله سبحانه في ذاك الوقت لا يليق بشأن من يعرف الله حقّ معرفته ، وإن كان راجحا في نفسه ، ولذا يستحق الاستغفار. قال سبحانه للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (١). ومن هذا القبيل ما قيل : «حسنات الأبرار سيئات المقربين» (٢).
__________________
(١) النصر : ٢ ـ ٤.
(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٠٥.