قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨)
____________________________________
ثم إن من المعلوم أن للخسران مراتب فمن من شأنه تحصيل الربح الكثير إذا لم يحصل عليه كان خاسرا ، وهكذا قول نوح عليهالسلام : «أكن من الخاسرين» فلو لا غفران الله ورحمته كان عليهالسلام خاسرا إذا لم يحصّل تلك المراتب الرفيعة التي تليق بمثله.
[٤٩] ولما استقرت السفينة على جبل الجودي (قِيلَ) والقائل هو الله سبحانه ، إما بنفسه ، أو بأمر ملائكة بذلك : (يا نُوحُ اهْبِطْ) من السفينة والجبل إلى الأرض (بِسَلامٍ مِنَّا) بتحية لك من عندنا ، أو بنجاة وسلامة من قبلنا ، فأنت آمن ناج (وَبَرَكاتٍ) أي زيادة من فضل ، وخيرات نامية (عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) أي الجماعات التي معك من الإنس والطير والوحش ، فإنها تنمو وتزداد حتى تملأ الأرض من ذراريها ونسلها ، فإن الأمة تطلق على الحيوانات ، كما قال سبحانه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) (١). وهنا طريفة لفظية ، وهي : أن ثمان «ميمات» اجتمعن في هذه الآية «أمم مّمّن مّعك» أصلها خمس ميمات ونونان وتنوين.
(وَ) من نسل هؤلاء (أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) نعطيهم متعة الحياة الدنيا في المستقبل (ثُمَ) يكفرون ويعصون ف (يَمَسُّهُمْ) يشملهم (مِنَّا) أي من طرفنا (عَذابٌ أَلِيمٌ) موجع مؤلم في الدنيا بصنوف القلق والمرض والفقر والحروب وما أشبه ، وفي الآخرة بالنار والعقاب.
__________________
(١) الأنعام : ٣٩.