قوله جل ذكره : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤))
فاتتهم الحياة فى الدنيا ولكن وصلوا إلى الحياة الأبدية فى العقبى ، فهم فى الحقيقة أحياء ، يجدون من الله فنون الكرامات.
ويقال هم أحياء لأن الخلف عنهم الله ومن كان الخلف عنه الله لا يكون ميتا ، قال قائلهم فى مخلوق :
إن يكن عنّا مضى بسبيله فما |
|
مات من يبقى له مثل خالد |
ويقال هم أحياء بذكر الله لهم ، والذي هو مذكور الحق بالجميل يذكره السرمدي ليس بميت.
ويقال إنّ أشباحهم وإن كانت متفرقة ، فإنّ أرواحهم ـ بالحق سبحانه ـ متحققة. ولئن فنيت بالله أشباحهم فلقد بقيت بالله أرواحهم لأنّ من كان فناؤه بالله كان بقاؤه بالله.
ويقال هم أحياء بشواهد التعظيم ، عليهم رداء الهيبة وهم فى ظلال الأنس ، يبسطهم جماله مرة ، ويستغرقهم جلاله أخرى (١).
قوله جل ذكره : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)
ابتلاهم بالنعمة ليظهر شكرهم ، وابتلاهم بالمحنة ليظهر صبرهم ، فلما أدخل المعلوم من حالهم فى الوجود ، ورسمهم بالرقم الذي قسمه ، وأثبتهم على الوصف الذي علمه ، ابتلاهم
__________________
(١) شبيه بذلك ما يقوله القشيري فى كتابه «التحبير فى التذكير» حينما شرح «المحيي المميت» و «الجليل الجميل» : «من كاشفه بجلاله أفناه ، ومن كاشفه بجماله أحياه ، فكشف الجلال يوجب محوا وغيبة ، وكشف الجمال يوجب صحوا وقربة».