بالخوف وفيه تصفية لصدورهم ، وبالجوع وفيه تنقية لأبدانهم ، وبنقص من الأموال تزكو به نفوسهم ، وبمصائب النفوس يعظم بها عند الله أجرهم ، وبآفة الثمرات يتضاعف من الله خلفهم.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) يعنى الذين لا اعتراض لهم على تقديره فيما أمضاه.
ويقال طالبهم بالخوف (ابتعادا) عن عقوبته ثم بمقاساة الجوع ابتغاء قربته وكرامته ، ونقص من الأموال بتصدّق الأموال والخروج عنها طلبا للخير منه بحصول معرفته.
(وَالْأَنْفُسِ) تسليما لها إلى عبادته. (وَالثَّمَراتِ) القول بترك ما يأملونه من الزوائد فى نعمته (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) على استحسان قضيته ، والانقياد لجريان قدرته.
ومطالبات الغيب إما أن تكون بالمال أو بالنفس أو بالأقارب ؛ فمن أوقف المال لله فله النجاة (١) ، ومن بذل لحكمه النّفس فله الدرجات ، ومن صبر عند مصائب الأقارب فله الخلف والقربات ، ومن لم يدخر عنه الروح فله دوام المواصلات.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) ... الآية.
قابلوا الأمر بالصبر لا بل بالشكر لا بل بالفرح والفخر.
ومن طالع الأشياء ملكا للحق رأى نفسه أجنبيا بينه وبين حكمه ؛ فمنشىء الخلق أولى بالخلق من الخلق.
ويقال من شهد المصائب شهد نفسه لله وإلى الله ، ومن شاهد المبلى علم أن ما يكون من الله فهو عبد بالله ، وشتان بين من كان لله وبين من كان بالله ؛ الذي كان لله فصابر واقف ، والذي هو بالله فساقط الاختيار والحكم ، إن أثبته ثبت ، وإن محاه انمحى ، وإن حرّكه تحرك ، وإن سكّنه سكن ، فهو عن اختياراته فان ، وفى القبضة مصرّف.
قوله جل ذكره : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))
__________________
(١) ربما كانت فى الأصل (الجنات).