وإن كانت نوافل من الطاعات ، فإن زاحمك مزاحم يشغلك عن الله فاقطع مادة ذلك عن نفسك بكل ما أمكنك لئلا تبقى لك علاقة تصدك (١) عن الله.
قوله جل ذكره : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢))
الإشارة منه : إذا انقطعت عنك غاغة خواطرك وأعداء نفسك ، مما يخرجك عنه ويزاحمك ، فلم حديث النفس ودع مجاهداتها ؛ فإنّ من طولب بحفظ الأسرار لا يتفرغ إلى مجاهدات النفوس بفنون المخالفات (٢).
قوله جل ذكره : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣))
الإشارة من الآية إلى مجاهدات النفوس ؛ فإنّ أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك. أي استوف أحكام الرياضات حتى لا يبقى للآثار البشرية شىء ، وتسلم النّفس والقلب لله ، فلا يكون معارض ولا منازع منك لا بالتوقي ولا بالتلقى ، لا بالتدبير ولا بالاختيار ـ بحال من الأحوال ؛ تجرى عليك صروفه (٣) كما يريد ، وتكون (٤) محوا عن الاختيارات ، بخلاف ما يرد به الحكم ، فاذا استسلمت النفس فلا عدوان إلا على أرباب التقصير ، فأمّا من قام بحق الأمر تقصى عن عهدة الإلزام.
قوله جل ذكره : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤))
__________________
(١) وردت (تصدق) والمعنى والسياق يرفضانها رفضا قاطعا وقد صوبناها بما يتلاءم :
(٢) يريد القشيري بهذه الفقرة أن تنزل على حكم المرحلة التي وصلت إليها ، فإذا اجتاز بك فضل الله مرحلة جهادك مع نفسك إلى ما فوقها فلا تشغلنّ وقتك إلا بما صرت عليه ، بمعنى أن تنزل على حكم الوقت.
(٣) وردت (حروفه) والصواب صروفه ، وقد جاء فى الرسالة هذا الشاهد :
تجرى عليك صروفه |
|
وهموم سرك مطرقة (الرسالة ص ٦٣) |
(٤) وردت (يكون) وهى خطأ من الناسخ.