إلا معك ؛ فإحسانك إلى نفسك فى صورة إساءتك إليها فى ظن الاعتماد ، وذلك لارتكابك كل شديدة ، ومقاساتك فيه كل عظيمة. والإحسان أيضا ترك جميع حظوظك من غير بقية ، والإحسان أيضا تفرغك الى قضاء حق كل أحد علّق عليك حديثه. والإحسان أن تعبده على غير غفلة. والإحسان أن تعبده وأنت بوصف المشاهدة.
قوله جل ذكره : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)
إتمام الحج على لسان العلم القيام بأركانه وسننه وهيئته ، وإراقة الدماء التي تجب فيها (دون) التقصير فى بعض أحوالها.
وفى التفسير أن تحرم بهما من دويرة أهلك (١).
وعلى لسان الإشارة الحج هو القصد ؛ فقصد إلى بيت الحق وقصد إلى الحق ، فالأول حج العوام والثاني حج الخواص.
وكما أن الذي يحج بنفسه يحرم ويقف ثم يطوف بالبيت ويسعى ثم يحلق ، فكذلك من يحج بقلبه ؛ فإحرامه بعقد صحيح على قصد صريح ، ثم يتجرد عن لباس مخالفاته وشهواته ، ثم باشتماله بثوبي صبره وفقره ، وإمساكه عن متابعة حظوظه من اتباع الهوى ، وإطلاق خواطر المنى ، وما فى هذا المعنى. ثم الحاج أشعث أغبر تظهر عليه آثار الخشوع والخضوع ، ثم تلبية الأسرار باستجابة كل جزء منك.
وأفضل الحج الشجّ والعجّ ؛ الشّجّ صبّ الدّم والعجّ رفع الصوت بالتلبية ، فكذلك سفك دم النفس بسكاكين الخلاف (٢) ، ورفع أصوات السّر بدوام الاستغاثة ، وحسن الاستجابة ثم الوقوف بساحات القربة باستكمال أوصاف الهيبة. وموقف النفوس عرفات وموقف
__________________
(١) قال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن على أنه قال فى هذه الآية (وأتموا الحج والعمرة لله) قال أن تحرم من دويرة أهلك ، وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس.
(تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ١ ص ٢٣٠ ط الحلبي).
(٢) الخلاف هنا معناها (المخالفة) أي مخالفة النفس وأهوائها.