وأنا كذا وكذا! ثم يكبر عليك (...) (١) فيقول : وأنت أولى بأن تؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فإن من حالك وقصتك كذا وكذا.
أو لو ساعده التوفيق وأدركته الرحمة ، وتقلّد المنة بمن هداه إلى رؤية خطئه ، ونبهه على سوء (٢) وصفه ، لم يطو على نصيحة جنبيه وتبقى فى القلب ـ إلى سنين ـ آثارها.
قال تعالى «فحسبه جهنم» يعنى ما هو فيه فى الحال من الوحشة وظلمات النّفس وضيق الاختيار حتى لا يسعى فى شىء غير مراده ، فيقع فى كل لحظة غير مرة فى العقوبة والمحنة ، ثم إنه منقول من هذا العذاب إلى العذاب الأكبر ، قال الله تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ).
قوله جل ذكره : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧))
أولئك الذين أدركتهم خصائص الرحمة ، ونعتتهم سوابق القسمة ، فآثروا رضاء الحق على أنفسهم ، واستسلموا بالكلية لمولاهم ، والله رءوف بالعباد : ولرأفته بهم وصلوا إلى هذه الأحوال ، لا بهذه الأحوال استوجبوا رأفته.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨))
كلّف المؤمن بأن يسالم كل أحد إلا نفسه فإنها لا تتحرك إلا بمخالفة سيده ؛ فإن من سالم نفسه فتر عن مجاهداته ، وذلك سبب انقطاع كل قاصد ، وموجب فترة كل مريد.
و «خطوات الشيطان» ما يوسوسه إليك من عجزك عن القيام باستيفاء أحكام المعاملة ، وترك نزعات لا عبرة بها ، ولا ينبغى أن يلتفت إليها ، بل كما قال الله تعالى : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) ثم أبصر ما الذي فعل به حين ألقته ، وكيف مدّه إليها بعد ما نجّاه.
__________________
(١) مشتبهة.
(٢) وردت (سواء) وهى خطأ فى النسخ.