ولكنهم مصرّفون بالمشيئة الأزلية ، ومسلوبون من الاختيار الذي عليه المدار وبه الاعتبار. والعبودية شدّ نطاق الخدمة وشهود سابق القسمة.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤))
يعنى اغتنموا مساعدة الإمكان فى تقديم الإحسان قبل فتور الجلد وانقضاء الأمل.
قوله جل ذكره : (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢٥٥))
«الله» اسم تفرّد به الحق ـ سبحانه فلا سمىّ له فيه. قال الله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي هل تعرف أحدا غيره تسمّى «الله»؟
من اعتبر فى هذا الاسم الاشتقاق فهو كالمتعارض ، فهذا اسم يدل على استحقاق صفات الجلال لا على اشتقاق الألفاظ ، فلا يعارض ما لا يعارض فيه من الأقوال.
قوله «لا إله إلا هو» : إخبار عن نفى النظير والشبيه ، بما استوجب من التقديس والتنزيه. ومن تحقق بهذه القالة لا يرى ذرّة من الإثبات بغيره أو من غيره ؛ فلا يرفع إلى غيره حاجته ، ولا يشهد من غيره ذرة ، فيصدق إليه انقطاعه ، ويديم لوجوده انفراده ، فلا يسمع إلا من الله وبالله ، ولا يشهد إلا بالله ، ولا يقبل إلا على الله ، ولا يشتغل إلا بالله ، فهو محو عما سوى الله ، فما له شكوى ولا دعوى ، ولا يتحرك منه لغيره عرق ، فاذا استوفى الحق عبدا لم يبق للحظوظ ـ البتة ـ مساغ.
ثم إن هذه القالة تقتضى التحقق بها ، والفناء عن الموسومات بجملتها ، والتحقق بأنه لا سبيل لمخلوق إلى وجود الحق ـ سبحانه ، فلا وصل ولا فصل ولا قرب ولا بعد ، فإن ذلك أجمع آفات لا تليق بالقدم.
وقوله «الحي القيوم» : المتولى لأمور عباده ، القائم بكل حركة ، و (المحوى) (١) ، لكل عين وأثر.
__________________
(١) وردت هكذا ويحتمل أن تكون فى الأصل إما (المحيي) لتتلاءم مع (الحي) أو أن تكون (المجرى) أي القائم أو (القيوم) على ملكه :