ولا يسلم لهم نفس مع الخلق ، وأنّى بذلك ولا خلق!! وإذا لم يكن فإثبات ما ليس شرك (سقها) (١) فى التوحيد.
والفقير الصادق واقف مع الله بالله ، لا إشراف للأجانب عليه ، ولا سبيل لمخلوق إليه تنظره عين الأغيار فى لبسة سوى ما هو به ؛ قال تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) ، فأما من كان ذا بصيرة فلا إشكال عليه في شىء من أحوالهم. تعرفهم يا محمد ـ أنت ـ بسيماهم ، فليست تلك السيماء مما يلوح للبصر ولكنها سيماء تدركها البصيرة. لا إشراف عليهم إلا بنور الأحدية.
ويقال «تعرفهم بسيماهم» : استبشار قلوبهم عند انكسار نفوسهم ، وصياح أسرارهم إلى العرش (نشاطا عنه) عند ذبول ظاهرهم عن الانتعاش (٢).
ويقال تكسر الظاهر عند تكسر الباطن وبالعكس من هذه لا يسألون الناس إلحافا ، فإن جرى منهم من الخلق بدون الإلحاف سؤال ـ لما يشير إليه دليل الخطاب ـ فذلك صيانة لهم ولسر قصتهم ، لئلا يلاحظهم الخلق بعين السؤال ، وليس على سرّهم ذرة من الإثبات للأغيار (٣).
ويقال : «أحصروا فى سبيل الله» : وقفوا على حكم الله ، وأحصروا نفوسهم على طاعته وقلوبهم على معرفته ، وأرواحهم على محبته ، وأسرارهم على رؤيته.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤))
ما دام لهم مال لا يفترون ساعة عن إنفاقه ليلا ونهارا ، فإذا تفد المال لا يفترون عن شهوده لحظة ليلا ونهارا.
__________________
(١) مشتبهة وقد أثرنا أن ننقلها كما هى وربما كانت (سقما) أي علة فى التوحيد.
(٢) العبارة فيها شىء من غموض نتيجة اشتباه ما بين القوسين ولكن المراد ـ والله أعلم ـ أنه بينما تبدوا ظواهرهم ذابلة بحكم التواضع والانكسار فإن أسرارهم جادة فى التسبيح من حول العرش.
(٣) هنا يبدو القشيري متأثرا بتعاليم أهل الملامة النيسابورية.